غزة | وجّهت المقاومة ضربة معنوية قاسية إلى جيش العدو وجبهته الداخلية، أمس، بعد أن نشرت مشاهد مصوّرة نوعية لكمين الزنة شرقي مدينة خانيونس، كانت الأقوى من نوعها طوال الحرب، إذ ظهر مقاومو «كتائب القسام»، في المشاهد، وكأنهم لم يخرجوا لتوّهم من الشهر السادس من القتال، كما وكأن مدينة خانيونس لم تتعرض لأقوى عملية برية تشهدها مدينة محصورة في تاريخ الحروب الحديث. هكذا، بان جنود يخططون بمنتهى الهدوء لكمائن نوعية مركّبة، مستندين إلى صورة جوية للمنطقة الهدف، محدّدين مسار الدبابات والقوات الراجلة المفترض، ومنتقين الأسلحة المناسبة، ثم يضربون القوات من مناطق محددة، ليجبروها على التحصن والهرب إلى أبنية مفخّخة سلفاً. والأهم من ذلك كله، يوزعون كاميراتهم في كلّ زوايا الهجوم، ويبعثون بالرسائل السياسية والشعبية في مختلف الاتجاهات.لكن، ما الذي تضمّنه فيديو «القسام»، الذي ضجّت به الدنيا في وسائل الإعلام العبري؟ ظهرت في الفيديو مجموعة من المقاومين، وهم يجلسون في غرفة قيادة وسيطرة، لم تصل إليها الأحزمة النارية وآلاف الغارات التي تواصلت طوال الأشهر الأربعة الماضية. هنا، حصلوا على معلومات استخبارية دقيقة، عن أن فرقة من جيش العدو ستتوغل في منطقة قريبة من السياج الحدودي، من المفترض أنها احترقت قصفاً. يرسم قائد الخلية الطرق المفترضة لعبور الفرقة، ويوزع المهام على المجموعة التي ستنصب العبوات الناسفة، بينما صوت طائرات الاستطلاع من فوقهم يصمّ الآذان. ثم تأتي المشاهد الصادمة التي تترجم ما رسمه قائد المجموعة على الورق، لا بل وتزيد عليه بكثير: تدخل مجموعة من الجنود قوامها 10 أفراد حيز منطقة الكمين المركب، فيشتبك المقاومون معهم من مسافة صفر، ويجهزون على ثلاثة منهم، بينما تصور الكاميرات المثبتة المشهد. يحاول الجنود الاحتماء من نيران الأسلحة الرشاشة بالهروب إلى بناء، قبل أن يتضح سريعاً أن إطلاق الرصاص من ذلك الاتجاه، كان مقصوداً لدفع الجنود إلى الهرب إلى البناء الذي فُخّخ سلفاً. وفيما تصوّر كاميرات «غو برو» المشهد من عدة زوايا، يدخل الجنود إلى المصيدة، حيث تظهر الكاميرات آخر المشاهد التي تبين فيها وجوههم قبل الحريق، ثم ينفجر المبنى. وعلى إثر ذلك، تأتي قوة النجدة المكوّنة من دبابتين، بينما يواصل المقاومون التحصن بين ركام المنازل المدمرة، ثم يخرجون في اللحظة المناسبة ليدمروا دبابتي «ميركافا» بقذيفتي «ياسين»، تحت عين الكاميرات التي تواصل نقل الصورة. يجر الجنود جثث القتلى على الأرض، ويسمع صراخ الجيش، ثم تهبط الطائرات لإجلاء القتلى.
مشاهد جنونية لا يمكن للحظة التصور أنها حقيقية، وتتجلى فعلاً في منطقة ظن العدو أنه دمّر الكتائب المقاتلة فيها. كما لا يمكن الاستيعاب في الوقت ذاته، أن هذه المعارك تدور بين جيش منظّم يمتلك أحدث تكنولوجيا القتل في العالم، المدعمة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وزمر قتالية، تحافظ بعد أكثر من ستة أشهر من القتال، على ذلك المستوى الاحترافي من التخطيط والتنفيذ، لا بل وتستغل الموقف المشتعل في توصيل رسائل شعبية مهمة، ليس إلى الجبهة الداخلية لجيش العدو فقط، والتي اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي فيها بصراخ الهزيمة المدوّية، وإنما أيضاً إلى الشعوب العربية. فإلى جانب ورقة التخطيط، وضع المقاومون كتاب رسائل من القرآن للكاتب الأردني أدهم شرقاوي، الذي يمتلك حضوراً واسعاً في الشارع الأردني.
أما في مواقع الإعلام العبرية وصفحات المستوطنين، فافتتحت مندبة كبرى من التعليقات، خلصت في نتيجة آلاف المنشورات إلى «أننا هُزمنا، وهذه هي الحقيقة».