لندن | توحدت النّخبة الألمانية، حكومةً ومعارضة، يساراً ويميناً، وراء وزارة الداخليّة الألمانيّة التي فضت بالقوّة مؤتمراً حول فلسطين بادرت إلى عقده في برلين «منظمة الصوت اليهودي من أجل سلام عادل» وحركة DiEM25 اليساريّة الأوروبيّة. وجاء في بيان مشترك أصدرته أحزاب الائتلاف الحاكم («الحزب الديمقراطي الاجتماعي»، و«الخضر» و«الحزب الديمقراطي الحرّ») وتحالف المعارضة اليمينيّة («الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، و«الاتحاد الاجتماعي المسيحي» في بافاريا) وصادق عليه اثنان من قادة «حزب دي لينكه» اليساري، إن الأحزاب الألمانية ضد عقد مؤتمر للتضامن مع فلسطين، وتدعم الإجراءات الحكومية الرامية إلى حظره. وقد قطعت شرطة برلين الكهرباء عن المبنى الذي كان يحتضن المؤتمر، واعتقلت عشرات النشطاء ممن حضروا للمشاركة بمن فيهم يهود ألمان كان أحدهم يحمل لافتة تقول «يهود ضد الإبادة الجماعيّة». كما منعت شخصيات أوروبيّة بارزة، كان مقرّراً أن تتحدث فيه، من دخول البلاد، وفرضت حظراً عليها يشمل المنع من المشاركة في أي نشاط سياسي على الأراضي الألمانية، ولو افتراضياً، تحت طائلة السجن لعام على الأقل.

منعت ألمانيا الجراح الفلسطيني غسان أبو ستة ويانيس فاروفاكيس من دخول أراضيها

وأوقف حوالى مئة من ضباط شرطة برلين، الذين كانوا مندسّين ضمن 250 شخصاً فقط سمح لهم بالدخول، المؤتمر بعد دقيقة واحدة من بدء عرض رسالة فيديو للكاتب الفلسطيني سلمان أبو ستة حول حرب الإبادة التي تشنّها القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وقد قال فيها: «لم نرَ قبلاً كيف أنّ كل وسائل الحياة تدمّر بشكل منهجي: المستشفيات والعيادات والمدارس والجامعات والمكتبات والآثار القديمة والمساجد والجامعات والمقابر والمباني السكنية».
وقد أدلى متحدث باسم شرطة العاصمة الألمانية بتصريحات أشار فيها إلى أن الأجهزة الأمنية فضّت الحدث بحكم أن سلمان أبو ستة، البالغ 86 عاماً «ممنوع من ممارسة النشاط السياسي في ألمانيا»، معتبراً أنّه «من الخطر بمكان تقديم متحدث على الشاشة كان قد أدلى في الماضي بتصريحات معادية للسامية تمجّد العنف». وأعلنت الشرطة لاحقاً عن إلغاء كل فاعليات المؤتمر الذي كان يُفترض أن يستمر على مدى ثلاثة أيّام.
وأيّد مفوض الحكومة الألمانية لشؤون معاداة السامية، فيليكس كلاين، منع أبو ستة من دخول البلاد. وقد تبيّن لاحقاً أن الحظر على الكاتب الفلسطيني الذي لم يُبلَّغ منظمو المؤتمر به قبل انعقاده، جاء بسبب تدوينة له على وسائل التواصل الاجتماعيّ قال فيها إنّه لو كان أصغر سناً ولا يزال يعيش في معسكر الاعتقال الذي يسمّى قطاع غزة فـ «لربما التحق بأولئك الذين اخترقوا السياج (صبيحة السابع من أكتوبر)».
وكان من المبرمج أن يتحدث في المؤتمر أيضاً السياسي الأيرلندي ريتشارد بويد باريت، والطبيب الجراح البريطاني الفلسطيني غسان أبو ستة، ووزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس، على أن تدير المرشحة الأولى لحركة MERA25 للانتخابات الأوروبية كارين دي ريغو حلقة نقاش مع فاروفاكيس، وتلقي المداخلة الختامية.
اتّهمت الأجهزة الأمنية الكاتب سلمان أبو ستة بالإدلاء بـ «تصريحات معادية للسامية تمجّد العنف»


وفي تلك الأثناء، أجبرت سلطات مطار برلين الجراح البريطاني الفلسطيني البارز غسان أبو ستة بالقوة على العودة إلى لندن ومنعته من دخول ألمانيا (الجمعة) حيث كان يعتزم الإدلاء بشهادته حول الأوضاع في غزة أمام المؤتمر. وقال جراح التجميل الترميمي الذي أمضى 43 يوماً في رعاية الجرحى خلال الأشهر الأولى من الحرب الإسرائيلية على القطاع المحاصر إنه خضع للاستجواب لمدة ثلاث ساعات لدى وصوله إلى مطار برلين، واحتجز جواز سفره البريطاني، قبل إعلامه بأنه ممنوع من دخول ألمانيا، أو المشاركة في أي نشاط سياسي فيها بما في ذلك تسجيل أي مقاطع فيديو يمكن عرضها في البلاد هذا الشهر، وإلا واجه عقوبات قانونية قد تشمل الغرامات والسجن. وأعيد لأبو ستة جواز سفره على بوابة المغادرة بعدما أُجبر على حجز رحلة للعودة إلى لندن. وتحدث أبو ستة في تظاهرة احتجاجية أمام السفارة الألمانية في لندن نُظِّمت على عجل لدى عودته إلى بريطانيا عن تطرّف برلين في دعم الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، وقال للمحتجين: «اليوم رأينا كيف يتصرّف المتواطئون في جريمة»، مشيراً إلى «أنّ المتواطئين في الجريمة إنما يحاولون إخفاء الأدلة وإسكات الشهود».
وألقت ألمانيا بثقلها الكامل سياسياً وراء «إسرائيل» في عدوانها المستمرّ على قطاع غزة، وتضاعفت مبيعاتها من السلاح إلى الكيان العبري عشرة أضعاف معدلاتها منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهي تاريخياً ظلت أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، ومصدر تمويل أساسي للخزانة الإسرائيلية، فيما فرضت محلياً سياسة مفرطة الحساسية ضد كل ما هو فلسطيني سواء في المدارس أو الجامعات أو الأماكن العامة، وتم إلغاء عدد من المعارض والفعاليات في الأشهر القليلة الماضية بسبب تعاطفها المحتمل مع الفلسطينيين.