غزة | في الوقت الذي كان ينشغل فيه روّاد مواقع التواصل الاجتماعي بحفلة مفرغة لتقييم الردّ الإيراني، شقّ صوت جهوري صمْت الليل الغريب في شمال قطاع غزة: «الله أكبر... الانتقام الإيراني بدأ، وصلت الصواريخ». حينها، صعد الآلاف من النازحين إلى الأسطح العلوية في المنازل ومراكز الإيواء، وشاهدوا بأمّ العين معركة جوية في السماء؛ حيث كانت العشرات من الحمم تهوي إلى داخل المستوطنات والمدن البعيدة خلف السياج الحدودي الشرقي، الذي يفصل غزة عن الأراضي المحتلّة، فيما تحاول المضادات الأرضية الإسرائيلية اعتراض ما تستطيع.هكذا، تجلّى الحدث في سماء القطاع، وشاهده الأهالي بأمّ العين طيلة ساعة كاملة، وهلّلوا وكبّروا لكلّ صاروخ ومُسيّرة استطاعا الإفلات. هنا، لا يقيم الناس وزناً لتنطّع المنشغلين بمواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ إن حدث ليل السبت - الأحد صعد بالروح المعنوية إلى السماء. يقول الحاج محمد أبو رامي: «والله ما نمت طول الليل، أول ما بدأ الردّ الإيراني، صلّيت ركعتي شكر، حمدت الله كثيراً على إنو إلنا ظهر وسند، إسرائيل افترت وتجبّرت، وقد سخّر الله لها مَن يضع حدّاً لجبروتها وطغيانها». أمّا محمود عبد الجليل، وهو مشرف تربوي في المدارس الحكومية، فيقول، في حديثه إلى «الأخبار»: «اليوم هو يوم الفرز الأعظم، تأثير هذا الحدث على الوعي كبير جداً، الناس البسطاء وقعوا طوال عمرهم ضحية التضليل والاستقطاب المذهبييْن. اليوم، يوحّدنا العداء لإسرائيل، والانتقام لدماء الأبرياء والمظلومين، ينسف هذا الردّ تراكم 40 عاماً من الحرب على الوعي، 40 عاماً من التزييف والكذب». وفي صباح أمس الأحد، سُمعت أيضاً أصوات أخرى لأناس بسطاء يحتفلون على طريقتهم بالحدث. أحد الباعة نادى بأعلى صوته: «حلوان الردّ الإيراني، نزّلت سعر الدجاج من 45 إلى 40 شيكلاً فقط، فرجت يا أهل غزة، والله فرجت».
«كل ضغط من الخارج، يحسّن من الموقف التفاوضي والميداني الفلسطيني»


أما على الصعيد الرسمي، فعبّرت فصائل المقاومة الفلسطينية، في بيانات منفصلة، عن مباركتها للهجوم الإيراني، ورأت أنه «نقطة مفصلية» في تاريخ الصراع مع دولة الاحتلال، فيما قال الكاتب والمحلّل السياسي، إسماعيل حامد، إن «الردّ الإيراني فاجأ العدو قبل الصديق». وأضاف، في حديثه إلى «الأخبار»: «لم يكن أحد يتوقّع أن تنفذ إيران هجوماً بكلّ هذا الزخم، ليس مهمّاً عدد ما وصل من صواريخ ومُسيّرات. فلننظر إلى عدد الدفاعات الجوية الدولية التي شاركت إسرائيل في الدفاع، الأميركية والفرنسية والأردنية والسعودية، هذا يعكس قدْر الضعف». وتابع حامد: «من المهمّ التنويه أيضاً بأن إيران اختارت أن يُنفّذ القدر الأكبر من الردّ من أراضيها، ومن بلادها، بسواعد رجالها، وفي ذلك رسالة اقتدار وتحمّل للتبعات واستعداد للتحدّي والوصول إلى أبعد مدى في ردع كيان العدو».
أما عن تأثير هذا الردّ على مستقبل الحرب المستمرّة على القطاع، فأوضح حامد: «كل ضغط من الخارج، يحسّن من الموقف التفاوضي والميداني. من المفهوم منذ البداية أن إسرائيل لن توقف عدوانها على القطاع، إلّا إذا أحسّت بخطر يمسّ حضورها الإقليمي، ويمكن قراءة الردّ الإيراني بأنه حلقة من حلقات زيادة الخناق على كيان العدو، والذي سيجبره بلا شك على تقديم تنازلات على طاولة التفاوض».