«توجد أهمية بالنسبة إلى إسرائيل للاستجابة لمطلب الغرب والعودة إلى التركيز على الحرب في غزة والشمال»
من جهته، لفت المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، إلى أنه «في الأشهر الأخيرة، تراكم الكثير من الإحباط بسبب الشعور بأن الإيرانيين محصّنون من الاستهداف، فيما يشغّلون الإرهاب كما يحلو لهم، عبر وكلائهم، مواصلين تسليح أصدقائهم في محور المقاومة»، مرجّحاً أن ما تقدّم هو «خلفية استهداف عناصر من الحرس الثوري في سوريا، والذي بلغ ذروته مطلع الشهر الجاري باغتيال الجنرال محمد رضا زاهدي (حسن مهدوي)، قائد قوة قدس في سوريا ولبنان». وبحسبه، «في إسرائيل ظنوا أن الإيرانيين سيكتفون برد محدود، غير أن الأمر لم يكن كذلك: ففي غضون أيام قليلة تراكمت المؤشرات إلى أن إيران تخطط لرد مدوٍّ هذه المرة، من أراضيها على إسرائيل».
ولفت إلى أنه «لم تكن هناك حاجة إلى عمل استخباراتي للتحقق من ذلك: فقد قاله المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، بالفم الملآن ثلاث مرات علناً. كما شدّد الإيرانيون بشكل خاص على حقيقة أن المبنى الذي تعرض للهجوم، بجوار سفارتهم في دمشق، كان يُستخدم كقنصلية - وبالتالي، بالنسبة إليهم، قُصفت المنطقة الخاضعة لسيادتهم فعلياً».
وبسبب ما تقدّم، بدأت، بحسبه، الاستعدادات لاستخدام بنية استراتيجية شُيّدت بعناية على مدى السنوات الثلاث الماضية؛ إذ «دفعت إدارة بايدن، بالتنسيق الوثيق مع إسرائيل، خطة لإقامة منظومة دفاع إقليمية من الصواريخ والمُسيّرات الإيرانية، بتعاون من جانب دول أوروبية، ودول سنية في المنطقة. واستندت هذه المنظومة إلى شبكة وسائل رصد تمّ نصبها في عدة دول». وأضاف أن «إسرائيل ساهمت بقدرات متطورة للغاية في الرصد والاعتراض. والحلفاء ساهموا برادارات نُشرت في مواقع أقرب من حدود إيران». وتابع: «على مدى نصف سنة من الحرب، لوحظت الشرارات الأولية لعمل التحالف الدفاعي الجوي، الذي أطلق عليه الأميركيون اختصاراً (MEAD). وليل الأحد - الإثنين، جُنيت ثمار هذا الحلف كاملة». فقد «أطلق الإيرانيون أكثر من 300 صاروخ وطائرة مُسيّرة من طرازات مختلفة، لكن نجاحها كان ضئيلاً. ففقط بضعة صواريخ سقطت في مناطق مفتوحة، وخصوصاً في النقب، فيما لحقت أضرار بقاعدة سلاح الجو في الجنوب. وتمّ اعتراض قرابة 99% من الصواريخ والمُسيّرات، وقسم كبير منها خارج حدود إسرائيل، وفي أجواء الأردن والعراق».
وفي الاتجاه نفسه، اعتبر المحلل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن سلاح الجو الإسرائيلي حقّق «إنجازاً تاريخياً»، ولكنه لفت إلى أن «70 من الطائرات المُسيّرة أسقطها الأميركيون، وسلاح الجو البريطاني الذي وصل من قبرص، فيما الأردن شارك كذلك في المهمة، كما أعلن بنفسه». ورأى أن الهجوم الإيراني منح إسرائيل «فرصة لترميم شرعيتها السياسية في الساحة الدولية والتي تبدّدت طوال الحرب على غزة»، غير أن السؤال الرئيسي بحسبه هو «إذا كانت إسرائيل سترد وكيف؟». ولهذا السؤال اتجاهان متناقضان يؤثران على القرار المتوقّع لكل من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، والوزير بيني غانتس: الأول «يقوم على ضرورة ردع إيران»؛ إذ «نفّذ آية الله ما لم يُفعل أبداً وذلك عندما هاجمت إيران إسرائيل عازمة على إلحاق ضرر شديد بها. وإذا لم ترد إسرائيل بشكل مؤلم على الهجوم، فإن آية الله وحلفاءه في محور المقاومة، وكذلك دول المنطقة المستعدة لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، سيرون ذلك كضعف»؛ والثاني يتقاطع مع ما تحدّث عنه هايمن من الناحية الاستراتيجية المركّبة، إذ يتمثل في «المطلب الحازم من الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وكندا، بأن تمتنع إسرائيل عن رد غير تناسبي من شأنه أن يشكل خطراً على الاستقرار في المنطقة». وأضاف أن «حرباً إقليمية ستخدم زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار. ولذلك، توجد أهمية بالنسبة إلى إسرائيل للاستجابة لمطلب الغرب والعودة إلى التركيز على الحرب في غزة والشمال، وإبقاء العناية الأساسية بإيران لفرصة أخرى».
وبحسب بن يشاي، فإن «الهجوم الإيراني فشل بعدما زوّد الأميركيون، البريطانيون، الفرنسيون، والأردنيون، إسرائيل بحزام رصد مسبق لمئات الصواريخ الباليستية والطائرات المُسيّرة وصواريخ كروز التي أطلقتها إيران. ونتيجة لذلك، تمكّنت منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي من تركيز جهودها على اعتراضها قبل وصولها إلى الأراضي الإسرائيلية». أمّا «الإنجاز الآخر»، وفقاً له، فيكمن في «حقيقة أن الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا والأردن لم يرتدعوا من تهديدات إيران باستهدافهم، وإنما حاربوا بشكل فعّال من خلال تقاسم عمل دقيق ومخطط له مسبقاً إلى جانب إسرائيل... وبذلك تحقّق حلم الأخيرة الاستراتيجي بهندسة الدفاع الإقليمي أمام إيران»، كما رأى بن يشاي، مستدركاً بأن هؤلاء أولوا أهمية كبيرة «لمنع الهجوم حتى لا ترد إسرائيل بضربة عسكرية شديدة في الأراضي الإيرانية وبالتالي يتحقق السيناريو الأخطر».