جيش الاحتلال أعلن أنه تصدّى لتسعة وتسعين في المئة من الأجسام المعدنية المتفجّرة التي كانت موجّهة إلى أهداف «إسرائيلية» في فلسطين المحتلّة. انتفضت جيوش ودول لاعتراض الكتل المشتعلة التي أنارت سماء فلسطين في رابع أيام عيد الفطر وما فلحت. تصريح المتحدّث العسكري «الإسرائيلي» جاء قبل إحصاء الأضرار، إذ إن المُسيّرات لم يكن قد انتهى تسييرها ولا الصواريخ انتهت «صورختها». في الحروب تلعب الأرض العامل الأبرز في تقرير مصير المعركة رغم جمال اشتعال السموات فوق أرض المعركة. سماء فلسطين كانت جميلة جدّاً ليل أول من أمس بشهادة أهل نابلس والخليل ولكنتهم البارزة في فيديوهات حرب الفضاء التي راجت. لكنّ الأرض تبقى الأساس، فلا قواعد عسكريّة ولا مستوطنات في الفضاء اليوم. الاحتلال هو احتلال للأرض والتحرير سيكون بخبطات أقدام على الأرض هدّارة. تسعة وتسعون من الكيلومترات تفصل «الخط الأزرق» عن قلب فلسطين. أقل من تسعة وتسعين يفصل شمال غزة الذي لا يزال يقاوم عن القلب والروح.لم يتغيّر شيء في الحرب القائمة إلّا كلّ شيءٍ. كلُّ شيءٍ تغيّر بنسبة التسعة والتسعين في المئة. الكلّ يعيد حساباته ويعدّلها بنسبة التسعة والتسعين. كثرٌ عوّلوا على سردية أن التفوّق الاستعماري الغربي قادرٌ على إحباط تسعة وتسعين في المئة من آمال وطموحات الشعوب لدرجة الاستسلام، لكنّهم خسئوا. بانتظار «الردّ على الردّ»، والظروف المؤاتية للحرب النهائية، نستذكر أغنية ألمانية اشتهرت يوم غزت «إسرائيل» أرييل شارون لبنان وصولاً إلى بيروت ونصّبت عميلاً لها رئيساً للجمهورية. الأغنية هي بعنوان «تسعة وتسعون بالوناً أحمر» وألهمتها الحرب الباردة وبالونات حمراء اجتازت جدار برلين نحو الشرق عقب حفلة غنائية في غرب المدينة المنقسمة. فحوى الأغنية هي أن في تلك الفترة مشهد البالونات في السماء وحدها تهدم جدران الفصل وتمحو الحدود. الصواريخ والمُسيّرات ليل السبت لم تكن بالونات بل رقصة دبكة فلسطينية حربية تحاكي أحدث تقنيات الحرب بعد أربعين عاماً من أغنية «99 بالوناً أحمر»… وكانت بعيدة جدّاً عن بيروت، التي لن يصلوا إليها مجدّداً.
سردية الـ99 في المئة التي أسرع إلى تبنّيها المتحدّث باسم الاحتلال فجراً وفجوراً ليست إلا هروباً من واقع الواحد في المئة الذي نفد، هذا إذا ما سلّمنا أن هذا كلّ ما نفد. «الواحد في المئة» أصاب أهدافاً عسكرية، وهذا بالمعايير الحربيّة يُعتبر إنجازاً نوعياً في وجه كل الدفاعات الجوية التي استنفرت على مدى عشرة أيام لصدّ ركلات الجزاء الإيرانية التي جعلت من عبدالله الثاني يظنّ نفسه جيان لويجي بوفون في حراسة مرمى الكنيست. الواحد في المئة أعاد الروح إلى من أنهكته حرب إبادة كادت تصل إلى المئتين من الأيام، بل ضخّت فيه 99 في المئة من حياة ليكمل المسير. على الأرض هتف أصحاب الأرض لبالونات السماء المحترقة. محتلّو الأرض هلعوا وأدانوا وارتبكوا. لا تزال الأرض محتلّة بنسبة كبيرة لكن بين السابع من أكتوبر واليوم أزيلت 99 في المئة من عراقيل التحرير، وما زالت الأرض وسماؤها الجميلة بنيرانها لنا. قد تعمّر «إسرائيل» تسعة وتسعين، لكنها لن تعيش عامها المئة. الفرق كبيرٌ بين التسعة والتسعين والمئة.