غزة | في صبيحة اليوم التالي للرد الإيراني على إسرائيل، استطاع عدد محدود من النازحين في جنوب قطاع غزة، الوصول إلى منازلهم في شماله. وإثر ذلك، اندفع عشرات الآلاف من المواطنين إلى شارعي الرشيد وصلاح الدين، واتجهوا إلى الحواجز على أمل دخول شمال القطاع الذي خرجوا منه قبل أكثر من ستة أشهر.الروايات التي أحاطت بذلك الحدث متضاربة، إذ قدّر البعض أن عدداً من العائلات قرّر المغامرة، مستغلّاً غياب الطائرات المُسيّرة من الجو تزامناً مع الضربات الإيرانية، ووصل عبر طرق التفافية خطيرة إلى الشمال من دون المرور عبر حاجزي النابلسي على شارع الرشيد أو الكويت على شارع صلاح الدين.
رواية أخرى نقلها الناشط الحقوقي، عبدالله شرشرة، الذي قال، لـ«الأخبار» إن «المئات من النساء والأطفال استطاعوا العودة إلى شمال القطاع صباح الأحد الماضي». ووفقاً للمعلومات، فإن بعض العائلات تمكّنت من النفاد عبر ثغرات أمنية لم يلتفت إليها العدو، وآخرين وصلوا إلى الحاجز المقام في منطقة مستوطنة «نتساريم»، وأن جندياً من الاحتلال يجيد العربية، تولّى مهمة التثبّت من هويات الأهالي قبل أن يسمح بدخولهم، ثم تدحرجت كرة الثلج، ووصل عشرات الآلاف من المواطنين إلى الحواجز، ليقوم عندها جيش الاحتلال بفتح نيران طائرات «الكواد كابتر» والدبابات نحوهم. أما الرواية المتداولة في مدن جنوب القطاع، فجاءت على لسان مصدر أمني، أكّد أن «جيش الاحتلال بعث برسائل عبر هواتف النساء أخبرهن فيها بإمكانية عودة النساء والأطفال دون سن 14 عاماً إلى الشمال عبر حاجز الكويت».
النازحون يدعمون المقاومة في التمسّك بشرط عودتهم لإتمام أي صفقة تبادل


تلك الأحداث تقاطعت مع ما أعلنه جيش العدو عن وجود خطة على الطاولة للبدء بإخلاء مدينة رفح تمهيداً لعملية برية فيها، إذ ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه «كان من المقرّر البدء بإلقاء منشورات على رفح تُوجِّه الأهالي لإخلائها السبت الماضي، إلا أن الرد الإيراني عطّل المخطط». وفي شمال القطاع، هرع الآلاف من المواطنين لانتظار ذويهم على حاجزي الكويت والنابلسي، غير أن حالة التفاؤل هذه، بدّدها إطلاق الدبابات الإسرائيلية النار على جموع الأهالي، ما تسبّب باستشهاد خمسة مواطنين وإصابة العشرات، ثم إعلان جيش العدو أن شمال القطاع لا يزال منطقة عمليات خطيرة، من غير المسموح للمواطنين العودة إليها في الوقت الحالي.
بالنسبة إلى النازحين إلى جنوب القطاع، فإن العودة إلى المنازل المهدّمة في الشمال أضحت مسألة تستحقّ المغامرة، حتى ولو كانت نهايتها الاستشهاد. ويقول أبو محمد الدبعي، وهو نازح عن الشمال إلى مدينة رفح: «هذه أكبر تغريبة نعيشها في حياتنا. الذين لم يعايشوا النكبة، وعاشوا نسق حياة مستقرة وهادئة، سيفضّلون الموت على الحياة في داخل خيمة، وسط معسكر يعج بمئات الآلاف من النازحين». أما أبو محمد، فيؤكد لـ«الأخبار» أن النازحين يدعمون المقاومة في التمسك بشرط عودتهم لإتمام أي صفقة تبادل، حتى وإن تعطل وقف إطلاق النار أشهراً وليس أسابيع.