حذّرت وزارة الخارجية التركية من أن الحرب الإسرائيلية على غزة، هي «أساس المشكلة» في المنطقة، وأنها تحمل، في ما لو استمرّت، خطر الانتشار والتصعيد. وذكر بيان الوزارة أن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، يمثّل «انتهاكاً للقانون الدولي، ويبرّر المخاوف التركية في شأن احتمال توسّع الحرب إلى حرب إقليمية». وجاء في البيان، الذي اعتبره رئيس «حزب المستقبل»، أحمد داود أوغلو، «متأخّراً، ولا يليق بتركيا أن تنتظر مواقف الآخرين لتبني على الشيء مقتضاه»، أن أنقرة أبلغت واشنطن وطهران بضرورة العمل لتكون ردود الفعل «متناسبة»، فيما لوحظ أن البيان لم يشر إلى أيّ اتصال تركي مع الجانب الإسرائيلي، بل مع «الدول الغربية التي لها نفوذ على إسرائيل». وفي هذا الإطار، أجرى وزير الخارجية التركي حاقان فيدان، اتصالاً بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن، أشار فيه إلى أن «أصل المشكلة هو غزة، ويجب تحقيق وقف عاجل لإطلاق النار هناك، وإلا فإن الحرب ستتوسّع»، وأيضاً بنظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان. ووفقاً لمصادر صحافية، فإن اتصالاً ثالثاً جرى بين رئيس الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز، ونظيره التركي إبراهيم قالين، وذلك في أعقاب الهجوم الإيراني على إسرائيل، فيما ذكرت المعلومات أن الأول اقترح على الثاني أن تقوم أنقرة بدور الوسيط بين طهران وتل أبيب.ومن جهته، دعا زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، الأطراف المتنازعة إلى الابتعاد عن الخطوات التي تضاعف التوتّر، قائلاً إن الحلّ الوحيد، في نظره، هو «حل الدولتين»، فيما بدا لافتاً تصريح مصطفى ديستيجي، رئيس «حزب الاتحاد الكبير» الشريك الصغير لـ«حزب العدالة والتنمية» في السلطة، والذي قال إن ما قامت به إيران ضدّ إسرائيل «فتح نافذة أمام إسرائيل الإرهابية ونتنياهو القاتل ليأخذ نفساً ويبرّر مواصلة مجازره في غزة وتحقيق أهدافه حتى النهاية. كما يشكل الهجوم الإيراني قاعدة للولايات المتحدة وحلفائها من أجل الاستمرار في حماية إسرائيل».
أما تعليقات غالبية الكتّاب الأتراك، فجاءت متحفّظة، إذ دعت خصوصاً إلى أن يكون موقف أنقرة «متوازناً». وفي هذا الإطار، رأى السفير المتقاعد، أولوتش أوزأولكر، أن سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل تزيد من التوتّر في المنطقة، قائلاً إن الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، «يحتاجان كل واحد إلى الآخر لحساباتهما الداخلية». واعترض في الوقت ذاته على تقليص تركيا حجم تجارتها مع إسرائيل، لـ«إرضاء ناخبي حزب العدالة والتنمية»، معتبراً أن تلك السياسات «خطأ»، وداعياً بلاده إلى اتباع سياسات «أكثر توازناً وأكثر حساسيّة كما فعلت تجاه الحرب الروسية - الأوكرانية». وأضاف: «لا يجب على تركيا دعم حماس أكثر من اللازم، لأن العمل على إرضاء الرأي العام الداخلي بخطوات غير متوازنة إقليميّاً يولّد نتائج خطيرة».
جاءت غالبية تعليقات الكتّاب الأتراك المتعلّقة بالرد الإيراني متحفّظة، إذ دعت خصوصاً ليكون موقف أنقرة «متوازناً»


وفي الاتجاه نفسه، رأى المختص في الشأن الإسرائيلي، رمزي تشيتين، أن «إيران وجهت ضربة إلى إسرائيل لتسكين الرأي العام الداخلي. وفي حين كانت الأصوات ترتفع في الداخل (الإسرائيلي) ضدّ نتنياهو، جاءت الضربة (الإيرانية) لتعيد تعويمه». واعتبر المختص في شؤون المنطقة، محمد عاكف أوقور، بدوره، أن «الضربة الإيرانية حملت باباً للارتياح لنتنياهو الذي كانت صورته قد بدأت بالتضرّر». ووفقاً للكاتب أوسان أويمير، فإن «على إيران وإسرائيل أن تمتنعا عن إشعال حرب إقليمية، كما على تركيا ألا تكون طرفاً في الأحداث التي تجري وعليها أن تركز على ضمان أمنها القومي».
لكن الكاتب في صحيفة «جمهورييات»، محمد علي غولر، اعتبر أن الرد الإيراني جاء في إطار القانون الدولي الذي انتهكته إسرائيل في هجومها على القنصلية الإيرانية في دمشق؛ فالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تعطيها الحقّ في الدفاع عن النفس. وقال: «لم يكن هدف إيران فتح حرب، بل الرد على اعتداء. وكان يجب أن يبقى الردّ العسكري في حدود معينة حتى لا يعطى نتنياهو ذريعة لما قد يقوم به، وأن تظهر إيران حدود قدرتها على الرد، وهو ما فعلته، بعدما لم تعطِ نتنياهو ما يريد ويرغب فيه، أي فتح حرب واسعة تشارك فيها الولايات المتحدة». ولفت الكاتب إلى أن «إيران أَظهرت أنها قادرة على الوصول إلى كل نقطة في إسرائيل، بينما الأخيرة لا تستطيع فعل الشيء نفسه ضدّ طهران، نظراً إلى اتّساع الجغرافيا الإيرانية»، مضيفاً أن «الأهمّ ليس في ضرب إسرائيل، بل في اختراق الحصانة الإسرائيلية التي مصدرها الولايات المتحدة. ولذلك، فإن نظام الحماية الذي أنشأته الولايات المتحدة عام 1979، ويعمل منذ 45 سنة، قد تعرّض لتصدّع كبير».
أمّا المختص في الشؤون الدولية، صولي أوزيل، فرأى أن الردّ الإيراني كان حتميّاً، لكن «تم تصميم الرقصات بشكل جيّد يخدم إيران، بعدما أتيحت الفرصة أمام الأخيرة لـ«اختبار أسرار أنظمة الدفاع الجوي لدى خصمها عبر هجومها المحدود والمحسوب جيداً، وهذا يعتبر مكسباً إستراتيجيّاً لإيران». وأضاف أن «الهجوم الإيراني يمكن أن يحفّز على تحقيق السلام. لكن إذا لم يتمّ حلّ القضية الفلسطينية، فإن غزة ستتحوّل إلى مستنقع للإرهاب، وهذا قد يصل إلى المجتمعات الغربية حيث الجاليات الإسلامية والعربية».