غزة | منذ اغتيال نشطاء «مؤسسة المطبخ العالمي»، وما تسبّب به من ضغوط أسهمت في سماح جيش الاحتلال بإدخال شاحنات البضائع والمساعدات إلى المناطق التي كانت قد قاست المجاعة في شمال قطاع غزة، تغيّرت الأوضاع في المنطقة كثيراً، إذ تدخل بشكل يومي العشرات من شاحنات البضائع، إلى جانب شاحنات المساعدات التي تأخذ طريقها إلى التوزيع عبر «لجان الأحياء السكنية المحلية» و«لجان إدارة مراكز الإيواء». ووفقاً لمصدر في لجنة أحد الأحياء في مخيم جباليا، فقد شكّل أهالي الأحياء التي عاد إليها السكان، لجاناً إدارية من الوجهاء والأكاديميين الذين يحظون بإجماع وقبول من شرائح المجتمع كافة، ليقوم هؤلاء بجمع قوائم تتضمّن بيانات تفصيلية حول أعداد النازحين وأوضاعهم المعيشية وعدد أفراد أسرهم، وما إن كانوا يعيلون حالات مرضية، أو بينهم أطفال رُضع.وتشكّل تلك اللجان المرجع الذي يُعتمد عليه في توزيع المساعدات على جميع الأسر. ويقول، طارق مصباح، وهو أحد القائمين على حي سكني في حديث إلى «الأخبار»، إنه «خلال الأسبوعين الماضيين، بدأت تصلنا كميات جيدة من المساعدات. حصل الأهالي على ثلاث دورات من الطحين: في المرة الأولى كيلوغرامان لكل أسرة، وفي المرة الثانية 6 كيلوغرامات، وفي المرة الثالثة 8 كيلوغرامات، بالإضافة إلى كمية جيدة من المعلبات (...) لا نستطيع القول إن أسبوعين من دخول المساعدات فترة كافية حتى تقلّص أو تقضي على آثار المجاعة، لكن الوضع أفضل من السابق في كل الأحوال».
أما الحدث الفارق في الحالة الاقتصادية، كما يرى محمود أبو صبح، وهو مدير أحد مراكز الإيواء في شمال القطاع، فـ«لم يكن دخول عدد محدود من شاحنات المساعدات فحسب، وإنما السماح بدخول عدد كبير من شاحنات البضائع التجارية، ما أعاد الحياة إلى الأسواق، وحرّر كميات كبيرة من أكياس الطحين التي كانت محتجزة في مخازن المحتكرين، فضلاً عن السماح للمرة الأولى منذ أشهر بدخول أنواع مختلفة من اللحوم والخُضر والفواكه، التي نسي الأهالي مذاقها». ويقول أبو صبح، لـ«الأخبار»: «تحرّكت عجلة الاقتصاد مجدداً، واستعادت الأوراق النقدية بعضاً من قيمتها. في وقت سابق، كان راتب الموظف الحكومي لا يكفي لشراء شوال واحد من الطحين الذي قد لا يكفي العائلة أسبوعاً واحداً». ويضيف: «تترافق تلك الانفراجة في حركة البضائع والمساعدات، مع أزمة سيولة خانقة، وعجز حكومي في غزة عن صرف رواتب 40 ألف موظف لم يتلقّوا أي سُلف مالية منذ ثلاثة أشهر. وكذلك، تعيش طبقة العمال الذين تعطلوا عن العمل منذ بداية الحرب، حالة من العوز الشديد. وكل تلك الظروف، ليست مهمة بالنسبة إلى الأهالي، طالما توفّر رغيف الخبز الأبيض».
والجدير ذكره، في هذا السياق، أن الأسبوع الماضي شهد للمرة الأولى إعادة افتتاح عدد من المخابز التجارية. ووفقاً لمدير «مخبز السلطان» في حي الصبرة في الجنوب الشرقي لمدينة غزة، فقد أبرم «برنامج الأغذية العالمي» اتفاقاً مع إدارة عدد من مخابز شمال وادي غزة، يقضي بأن يوفّر البرنامج الطحين ووقود السولار بالمجّان، على أن تتولى إدارة المخبز تأمين باقي متطلّبات الإنتاج مثل الخميرة والملح والأيدي العاملة، ومقابل ذلك، تُباع ربطة الخبز الواحدة بخمسة شواكل للمستهلك. ويوضح مدير المخبز، في حديث إلى «الأخبار»، أن «سعر الربطة هذا أقل من سعره في فترة ما قبل الحرب، لكنّ المخبز لا يستطيع إنتاج سوى 2800 ربطة كل 24 ساعة، علماً أن حي الصبرة مثلاً، يسكنه قرابة 8 آلاف نسمة. حتى اللحظة فتحت ثلاثة مخابز في شمال وادي غزة أبوابها. وحتى نتحدث عن نقلة في مستوى الأمن الغذائي، نحن بحاجة إلى إعادة تأهيل العشرات من المخابز في مختلف المناطق».