لا يزال المشهد الاحتجاجي الطالبي داخل الولايات المتحدة على غليانه، مع انضمام جامعات جديدة إلى «الثورة الطالبية»، سواء في الداخل الأميركي كجامعتَي «جورج واشنطن» و»هارفرد»، أو خارجها كـ»جامعة سيدني» الأسترالية. وفي وقت استمرّت فيه مطالبات الناشطين المحتشدين في خيامهم في باحات عدد من الجامعات، بوقف تعاملات مؤسّساتهم التعليمية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، والإفراج الفوري عن زملائهم ممَّن جرى اعتقالهم خلال فعاليات تضامنية مع الشعب الفلسطيني، تبلور توجُّه أوّلي لدى السلطات الأميركية للتعامل مع الموقف أمنيّاً، وذلك في أعقاب دعوات وجّهها سياسيون أميركيون، إلى استخدام وحدات «الحرس الوطني» لقمع الطلاب المناهضين لإسرائيل في حرم الجامعات الأميركية.
ضغوط داخلية وخارجية
وبدا مشهد اقتحامات الشرطة لعدد من المخيّمات التضامنية المقامة داخل جامعات أميركية عدّة، وما صاحبها من حملة اعتقالات جديدة في صفوف الطلبة والناشطين، كإشارة إلى إزاحة الستار عن التوجُّه المشار إليه، بوصفه فصلاً جديداً في المواجهة بين السلطات الأميركية، والطلبة. وعلى رأس هؤلاء المتحمّسين لـ»الحلّ الأمني»، كان السيناتور الجمهوري عن ولاية ميزوري، جوش هولي، الذي اعتبر أن الطلبة المحتجّين على سياسات بلادهم باتوا «يشكّلون خطراً على الطلاب اليهود»؛ وزميله الجمهوري الآخر عن ولاية أركنساس، توم كوتون، الذي ذهب إلى تحميل الرئيس جو بايدن مسؤولية فضّ حَراك المحتجين. ولم تقتصر المواقف الضاغطة على إدارة بايدن في هذا الصدد، على ما تقدّم، بل تعدّته إلى رسالة حملت توقيع 26 من المشرّعين الأميركيين، ومن بينهم كوتون نفسه، وموجّهة إلى وزير العدل ميريك غارلاند، تناشد السلطات العمل على «استعادة النظام في الجامعات التي تمّ إغلاقها بالفعل من قِبَل العصابات المعادية للسامية»، وفق ما جاء في نص الرسالة. وردّاً على الرسالة المشار إليها، أكّد مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي)، كريستوفر راي، أن مكتبه ينسّق مع الجامعات في شأن «التهديدات المعادية للسامية»، والعنف المحتمل الذي قد يرافقها.
كذلك، لم يفوّت مسؤولون إسرائيليون الفرصة لـ»الإدلاء بدلوهم» بخصوص أحداث الجامعات؛ إذ وجّه وزير الأمن القومي المتطرّف، إيتمار بن غفير، بإنشاء مجموعات مسلّحة بذريعة «حماية الجاليات والمؤسسات اليهودية في الخارج»، بينما اعتبر وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، أن التظاهرات التي تشهدها الجامعات داخل الولايات المتحدة، «ليست معادية للسامية فحسب، بل هي أيضاً تحريض على الإرهاب»، مطالباً البيت الأبيض بالعمل على وقفها.
غالانت: التظاهرات التي تشهدها الجامعات الأميركية «ليست معادية للسامية فحسب، بل هي أيضاً تحريض على الإرهاب»


نبرة الجامعات تتشدّد: «العسكرة ممكنة» من «كولومبيا» إلى «تكساس»
هذا المشهد الأميركي المنقسم على «جبهتَي» الطلبة والسلطة، تجلّى في بعض جامعات الولايات المتحدة، ولا سيما «جامعة جنوب كاليفورنيا»، التي أكّدت إدارتها إنهاء الاحتجاجات داخل حرمها الجامعي، وتقييد إجراءات الدخول إليه، بعد استعانتها بالشرطة. وعمد بعض الناشطين، من جهتهم، إلى تنظيم تظاهرات أمام مركز شرطة لوس أنجليس للمطالبة بإطلاق سراح العشرات من الطلبة الذين اعتُقلوا خلال فضّ الاحتجاجات في جامعة جنوب كاليفورنيا. أمّا في جامعة «كولومبيا» في نيويورك، وعلى رغم تأكيد إدارتها في وقت سابق التفاهم مع الطلبة لتفكيك وإزالة عدد من الخيام ومغادرة الأفراد الذين لا ينتمون إليها للتجمّعات الاحتجاجية في حرمها، فقد عادت إلى التلويح بـ»خيارات بديلة»، متعهّدة بـ»استعادة الهدوء» عبر الاستعانة بـ»الحرس الوطني»، وفقاً لتسريبات إعلامية.
تلك النبرة المتشدّدة من قِبل إدارة «كولومبيا»، والتي انطوت على تلويح مبطّن باللجوء إلى خيارات «العصا الغليطة»، جاءت أكثر وضوحاً في حديث رئيس جامعة «تكساس» في مدينة أوستن الأميركية، جاي هرتزل، حين أكّد، في معرض ثنائه على حملة اعتقالات كانت قد شهدتها الجامعة خلال الساعات الماضية، وقد طاولت عدداً من الطلبة إضافة إلى أحد الصحافيين، أن «جامعتنا لن تُحتلّ»، مضيفاً أن «الاحتجاج المؤيّد للفلسطينيين محظور». موقفٌ أيّده حاكم الولاية غريغ آبوت، حين دعا إلى طرد الطلاب المشاركين في الفعاليات التضامنية مع غزة، وسجنهم، بدعوى أن احتجاجاتهم «مليئة بالكراهية ومعاداة السامية». في المقابل، نقلت شبكة «إن بي سي» عن مصادر في هيئة التدريس في جامعة «تكساس»، تأكيدها أن النشاطات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، والرافضة للحرب على غزة، لم تتضمّن أيّ تهديد بالعنف أو تعطيل للدراسة، كاشفةً أن أعضاء من الهيئة التدريسية في الجامعة أضربوا عن العمل خلال الساعات الأخيرة احتجاجاً على الأسلوب العسكري الذي جوبهت به التحرّكات الطالبية في جامعات البلاد، على غرار ما جرى في جامعات «تكساس»، و»مينيسوتا»، و»إيمرسون»، وغيرها.

مواقف مندّدة ودعوى قضائية
في ضوء تعمّق نهج إدارات الجامعات الأميركية في التعدّي على حقوق الطلبة، بخاصّة حقّهم في التعبير، دانت «منظمة العفو الدولية» تلك الممارسات، مناشدةً الإدارات العمل على «احترام وحماية حقّ الطلاب في الاحتجاج السلمي»، في حين اتهم «مجلس الشؤون الإسلامية» في الولايات المتحدة، الجهات عينها بـ»عسكرة مؤسساتنا التعليمية»، معتبراً أن «نشر الشرطة ضدّ طلبة يحتجّون سلمياً، تطوُّر مثير لقلق عميق». ومع دعوته هيئة التدريس وقيادة جامعة «كولومبيا» إلى معارضة التهديد بنشر «الحرس الوطني»، استنكر المجلس لجوء الجامعة المذكورة إلى أساليب القوّة العسكرية في تعاملها مع طلابها، واصفاً الأمر بالـ»سابقة الخطيرة» لإدارات الجامعات.
وفي معرض حديثها عن ردود فعل الأوساط الحقوقية والطالبية تجاه السياسات الجديدة لإدارات الجامعات الأميركية، أفادت صحيفة «واشنطن بوست»، بأن «اتحاد الحريات المدنية» في الولايات المتحدة، سيعمد إلى انتهاج المسار القضائي للردّ على المقاربة الأمنية المنتهجة من قِبَل إدارات الجامعات والمسؤولين في إدارة بايدن حيال الطلبة. وكشفت الصحيفة الأميركية، نقلاً عن مصادر مطّلعة، أن «اتحاد الحريات المدنية»، قد شرع بالفعل، وبالنيابة عن طلاب جامعيين أميركيين، في تقديم دعوى يتّهم فيها مسؤولين حكوميين بمنع موكّليهم من التضامن مع فلسطين.