القاهرة | الهوس والخوف الأمني من أي تظاهر أو حتى اعتراض تضامناً مع غزة، ينتشر في مصر وصولاً إلى الجامعة الأميركية في القاهرة. رغم أنها الجامعة الوحيدة التي سمحت لطلابها بالتظاهر تضامناً مع غزة في بداية «طوفان الأقصى»، إلا أن الجامعة باتت اليوم في قبضة الفكر الأمني المصري الذي يودّ أن تكون البلد «صامتة» تجاه غزة، وهو ما أدى إلى القبض على عدد من المتظاهرين على سلّم نقابة الصحافيين خلال المدة الماضية بعد هتافهم ضد الموقف المصري من غزة. في الأيام الثلاثة الأخيرة، عقدت الجامعة ثلاث ندوات لإحياء ذكرى النكبة، لكن الدخول إلى هذه الندوات كان عبر «باركود» طُلب ممن يريدون الحضور تسجيل أسمائهم عبره، لتختار الجامعة في النهاية بين 50 و70 شخصاً لحضور اللقاءات ممن سجلوا أسماءهم إلكترونياً. أمر أدى إلى وقوع مشادات يومية بين أفراد أمن الجامعة وبعض مَن أرادوا حضور الندوات ولم يقوموا بالتسجيل كعادة اللقاءات السابقة، وخصوصاً أنّه تم الإعلان بأنّ اللقاءات مفتوحة للجمهور.
(دعاء العدل ـ مصر)

وجاءت التضييقات الأمنية من إدارة الجامعة الأميركية، بعدما رفع طلاب في الجامعة لافتات ضمن ندوات سابقة تطالب الجامعة بإنهاء تعاقداتها مع شركات وكيانات تدعم الاحتلال الصهيوني. وكانت الجامعة قد استضافت وزير الثقافة الفلسطيني السابق عاطف أبوسيف ضمن ندوة حملت عنوان «البُعد الثقافي في نكبة فلسطين»، أدارتها الأكاديمية رباب المهدي. وقال أبوسيف بـأنّ الاحتلال الإسرائيلي سرق الآثار الفلسطينية وعرضها في الكنيست، مضيفاً «أننا بحاجة إلى استعادة فلسطين ثقافياً». وتابع أبوسيف أنّ الاحتلال صادر 30 ألف كتاب من القدس إبان النكبة وحتى مكتبات المدارس تعرّضت للنهب، وصودر أكثر من 40 ألف كتاب مدرسي. وأشار أبوسيف إلى أنّ غزة كانت تضمّ وقت النكبة، ثلاثة مسارح وثمانين مكتبة و15 دار نشر و78 مركزاً ثقافياً. وتابع أنّه تم توظيف الاستشراق لخدمة الاستعمار الغربي، وأن لا جامعة فلسطينية واحدة تدرّس التاريخ الفلسطيني! ورأى أبوسيف أن فلسطين كانت رائدة فنياً وثقافياً قبل النكبة، بينما عمل الاحتلال على تخريب الثقافة الفلسطينية، ومحا 65 قرية بالكامل إبان النكبة عام 1948.
كما عقدت ندوة بعنوان «النكبة الفلسطينية الجديدة والمقاومة العالمية للاستعمار» تحدّثت فيها أنواردها ميتال، مديرة «معهد أوكلاند» في الولايات المتحدة ورئيسة مجلس إدارة «بين آند جيري» التي قالت إن الفظائع ضد الإنسانية في غزة والضفة الغربية غذت المجمّع العسكري الصناعي في أميركا، وأشارت إلى أنّ مؤسستها تعمل على إصدار تقارير لدعم الشعوب المحتلة أمام المحاكم الدولية، وأن هناك مؤسسات كبرى كالبنك الدولي تدعم الاحتلال.
وفي ندوة بعنوان «النكبة الفلسطينية... معركة الصمود والبقاء» التي قدّمتها فدوى البرغوثي، المحامية والناشطة الفلسطينية البارزة، وزوجة القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي بحضور قليل، قالت البرغوثي إن قضية الأسرى سياسية في الأساس، مشيرةً إلى أكثر من 5 آلاف أسير فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 فقط. ورأت البرغوثي أن الوحدة الفلسطينية بين الفصائل هي الطريق الأولى لإنشاء الدولة الفلسطينية المنشودة.
وتزامن التضييق الأمني في الجامعة الأميركية مع حملة اعتقالات أمنية طالت عدداً من الشباب الذي كتبوا على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تضامنية مع فلسطين، داعين مصر إلى اتخاذ موقف مما يحدث لأهل غزة في مدينة رفح الفلسطينية. وكان أبرز من قُبض عليهم الطالب في أكاديمية الفنون زياد بسيوني، الذي أعلنت أسرته عن اقتحام قوات الأمن منزلهم بحثاً عنه، وتكسيرهم أثاث المنزل، ومصادرة هواتف أخيه ووالدته. كما قُبض على الطالب في كلية الطب «جامعة المنصورة» مازن أحمد دراز، لإنشائهما صفحة على فايسبوك بعنوان «طلاب من أجل فلسطين» للمطالبة بمساعدة الطلاب الفلسطينيين. وظهر الطالبان في نيابة أمن الدولة، ووجهت إليهما الاتهامات المعروفة في مصر كالانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وحُبسا 15 يوماً على ذمة القضية. أمر دفع «مؤسسة حرية الفكر والتعبير» إلى إصدار بيان يدين التنكيل بالطالبَين، ويحذر من إدخالهما في دوامة الحبس الاحتياطي قبل امتحانات نهاية العام الدراسي التي تجري خلال الشهر الحالي والشهر المقبل في الجامعات المصرية. وقالت والدة زياد بسيوني الصحافية فايزة هنداوي إن قوات الأمن دخلت منزلها لمدة ساعتين من أجل القبض على ابنها بسبب منشور يدعو فيه إلى حركة طلابية من أجل فلسطين ودعم المقاطعة «من دون معارضة للنظام أو دعوة إلى العنف»، إلا أن قوات الأمن عاملته كمجرم واعتقلته قبل أسبوع واحد من امتحاناته.