تبعد طمرة عن عكا ما يقارب 15 كيلومتر جنوبا، وعن حيفا تقريبا 25 كيلومتر شمالا، لكنني اقيس المسافات بالوقت، واعرف ان شاطئ عكا يبعد عن طمرة تقريبا 20 دقيقة بالسيارة، في حين انني احتاج ال 20 دقيقة لاصل الكرمل، وكما ان حيفا وعكا عرائس للبحر، فان طمرة هي عروس الجليل، على الاقل بنظري.
حال «طمرة» ليس مختلفا عن حال المدن والقرى العربية الاخرى في اراضي الداخل المحتل، ربما كان وضع «المواطنين» العرب الساكنين فيها افضل حالا من وضع اولئك الذين في المدن «المختلطة» مثل عكا، حيفا، يافا... لكنه مع ذلك، سيء في جميع الاحوال: نسبة البطالة المرتفعة، العنف، تجارة السلاح والمخدرات وغيرها من المشاكل، هي أمور تسم «الوسط العربي»، كما يفضل رجال الحكومة تسميتنا في هذه الدولة، وذلك «بفضل» سياسات التمييز العنصري والتجهيل والتفقير الممنهج الذي تعرض ويتعرض له اهلنا منذ احتلال البلاد في 1948 وحتى اليوم.
ولأن الوطن اكثر من ارض، واكثر من حدود، ورغم كل المشاكل التي تضطر لمعايشتها، يظل هذا الوطن اساس وجودك، وتظل متمسكا فيه رغم كل شيء.
نحن ايضا في طمرة ما زلنا متمسكين بذرات التراب، حتى تلك المتطايرة في الهواء حولنا. ولذلك قرر شباب المنطقة، مواجهة هذه الحال المستمرة منذ سنين عديدة، فكونوا مجموعات مختلفة سياسية واجتماعية، لمواجهة التجهيل ورفع نسبة الوعي في مدننا وقرانا العربية، وحث الناس على التحرك والمطالبة بحقوقهم في هذه الارض.
لكن، تعرضت هذه المجموعات المختلفة (السياسية والاجتماعية منها على حد سواء) للملاحقات، على مدى سنين نشاطها حتى صارت «السياسة» مجازفة بنظر العامة.
ثم جاءت مرحلة «كهف اوسلو»، ولسنين مضت دخل الوعي الفلسطيني في مرحلة تخدير، عنوانها حلم السلام والتعايش المشترك. لكن الانتفاضة الثانية جاءت لتنسفه وتجبر النائمين على الاستيقاظ من سباتهم الشتوي الطويل الذي استمر سنينا وسنينا.
بعد ان هدأت احداث الانتفاضة الثانية، وعادت الحياة لمجراها الطبيعي (نوعا ما) كان وعي الناس قد عاد، الا ان الخوف من «بعبع السياسة» كان مرافقا لهم، هنا تماما ظهرت ونشطت مجموعات شبابية «اجتماعية»، تطرح فكرا اجتماعيا فارضا وعيه، هذه المجموعات الشبابية (متل مجموعة عشان بلدنا) وقفت امام امتحان صعب: تريد ان تزرع فكرا وطنيا لدى الناس، وفي الوقت نفسه تعلم ان هذا الامر انما سيخيفهم من الملاحقات السياسية، فكان النشاط «الاجتماعي» هو الحل.
هكذا، نشطت مجموعات شبابية من شمال فلسطين المحتلة وحتى جنوبها، كلٌّ في مدينته او قريته، من اجل صنع مجتمع واعي قادر على مواجهة العنصرية وسياسيات التجهيل والاحتلال التي تمارسها السلطات الاسرائيلية بحقنا، عن طريق نشاطات تطوعية شعبية، ندوات ثقافية، امسيات فنية وغيرها، تعيد ترابط المجتمع الفلسطيني الى سابق عهده وتبني الوعي الاجتماعي، السياسي والوطني الذي نريد. اما الخطوة القادمة التي بدأ بها الشباب دون تخطيط، فهي التشبيك بين هذه المجموعات الشبابية لتعمل يدا بيد، ويلتزم الشباب مساندة بعضهم رغم الاختلافات والبعد، فانا اعرف اننا لو احتجنا اي شيء في طمرة واي مساعدة فلن يتأخر اهلنا في حيفا وعكا (وغيرها) عن تلبية النداء!
«تقع طمرة على سفوح احد جبال الجليل الاسفل الغربي» كانت اول جملة عرّفوا لي بها عن طمرة جغرافيا في المدرسة، والجليل قريب من الجنوب (كما قال ناجي العلي)، ولأني اقيس المسافات بالوقت، اظل اتساءل تُرى كم تبعد طمرة عن بيروت؟



الصنيبعه

لو اردت تلخيص فلسطين لاختصرتها في «الصنيبعه»، وهي اسم قمة الجبل الذي تقع طمرة على سفوحه (ولأكن صريحة لا اعرف ان كان جبلا او تلة، الا اني اكيدة انه جزء من سلسلة جبال الجليل الاسفل). و«ألصنيبعه» هذه هي ايضا اسم لاحدى معارك ثورة ال36، حيث استشهد الشاعر نوح ابراهيم (شاعر الثورة وصاحب قصيدة «من سجن عكا») ليدفن في طمرة. وهي المكان الذي لجأ اليه اهل البلد خلال النكبة ليعودوا بعدها الى طمرة مجددا، ومن «الصنيبعه» تستطيع ان ترى قسما لا بأس به من الجليل الاسفل، وحيفا وعكا والبحر، هذا لان «الصنيبعه» اكثر من مجرد جبل!