باريس ــ بسّام الطيّارةويهدف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من وراء تحريك الملف السوري ـــــ الإسرائيلي إلى الالتفاف على «استخفاف واشنطن بأوروبا وفرنسا خصوصاً» في مرحلة إطلاق المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إلا أن مصدراً مقرباً من هذا الملف لا ينفي وجود «قطبة لبنانية مخفية» وراء سعي باريس إلى «تسهيل» المفاوضات السورية الإسرائيلية. ويتابع أن عدداً من التحليلات التي صدرت ذهبت في اتجاهات متضاربة، إلا أن كلاً منها يحمل «بعض الحقيقة». ولا يتعجب المصدر أن يكون لـ«المناخ الذي يبثه السجال حول المحكمة الدولية» تأثير على صلب مهمة كوسران في دمشق التي «تزداد تعقيداً».
وتؤكد مصادر عديدة وجود «قلق حقيقي» في باريس من ارتفاع حدة التوتر في بلاد الأرز وتتخوف «بجدية» من إفلات زمام الأمور بما لا تحمد عقباه، ما يعيد الأمور إلى ما قبل سيل سان كلو. ويتفق هؤلاء على أن مدخل المتغيرات على مهمة كوسران يمكن أن يأتي من وراء باب التوتر هذا. ويفسر هذا «نشاط السفير دوني بيتون»، كما صرح مصدر دبلوماسي كشف عن زيارة مرتقبة للسفير اليوم (الخميس) لرئيس الحكومة سعد الحريري. ويمكن القول إن هذه الزيارات، إلى جانب كونها من ضرورات محاصرة التوتر، تأتي تكملة لسلسلة الزيارات التي قام بها عدد من المسؤولين اللبنانيين إلى باريس «بدعوة أو من دون دعوة».
ويبدو أن الجميع سمعوا من المسؤولين الفرنسيين، مباشرة أو مداورة، دعوة إلى التروي وعدم الانصياع وراء «إغراءات السهولة بالتصريح»، وإعادة تأكيد أن باريس تدعم المحكمة «ولا تستطيع فعل أي شيء لوقف مسيرتها».
وعلمت «الأخبار» من مصادر موثوقة أنه نتيجة لسلسلة اجتماعات عقدها الدبلوماسيون الفرنسيون في سياق مؤتمر السفراء السنوي، وتحضيراً للجمعية العمومية للأمم المتحدة، جاءت التقويمات لتدل على أن الفرنسيين يتخوفون من انعكاسات ثلاثة ملفات على الوضع اللبناني:
خوف فرنسي من حرب خاطفة إسرائيليّة على حزب الله بحجّة إضعاف القوة الإيرانيّة
١- ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. ولا يخفون في هذا الصدد «تشاؤماً مبرراً» لا يعود فقط إلى «الاستفراد الأميركي»، بل إلى عوامل كثيرة تعود إلى «هيكلية الصراع» التي عادت وظهرت، ومن الممكن أن تنعكس على الساحة اللبنانية، في إشارة إلى مصير اللاجئين الفلسطينيين، وإلى «ما يمكن أن تفعله المنظمات غير المنضبطة».
٢- ملف النووي الإيراني، وقد تراجع في الأوساط الفرنسية الربط بين «توتير ملف المحكمة والحرب على إيران» ليحل محله «خوف من حرب خاطفة اسرائيلية على حزب الله» بحجة إضعاف القوة الإيرانية في المنطقة.
٣- عامل جديد دخل على شبكة العوامل التي تؤثر بالساحة اللبنانية وينظر له الفرنسيون بخشية كبيرة، وهو الصراع الخفيّ بين سوريا والسعودية على الساحة العراقية، وتداخلها مع المصالح المتضاربة بين سوريا وإيران.
ويقول دبلوماسي عربي إن القاسم المشترك الذي يجمع بين هذه العوامل هو إمكان استعمالها من أطراف عديدة على نحو مستقل، ما يمكن أن يقود إلى تفجير لا تُحمد عقباه.
وإذ يعترف مصدر دبلوماسي بأن حزب الله «لا مصلحة له بتفجير الوضع وتوتيره»، إلا أنه يؤكد أن «التسريبات حول القرار الظني» يمكنها أن «تقلب طاولة المنطق المعمول به حتى الآن في لبنان».
وعلمت «الأخبار» من مصادر موثوقة جداً أن التسريبات حول «ما قاله دانيال بلمار المدعي العام للمحكمة الدولية لممثل فرنسا في الأمم المتحدة جيرار أرو صحيحة مئة في المئة» وأن التسريبات جاءت من باريس، لا من نيويورك. ورغم أن أرو «لم يذكر حرفياً» أن الثمانية المنتظر أن تتصدر أسماؤهم القرار الظني ينتمون إلى حزب الله، إلا أنه لمّح إلى عدد من الصحافيين، بالإشارة «إلى ما يجري تداوله في بيروت» مع ابتسامة عريضة. إلا أن المصادر ذكرت لـ«الأخبار» أن «خبر أرو ليس طازجاً» وأنه سبق لبلمار أن سرّبه إلى عدد من المسؤولين الأميركيين وانتشر في عدد من العواصم المعنية قبل أسابيع، وقد وصل إلى بيروت قبل أن يصل إلى باريس، وبالتالي يجعل الخوف من ردة فعل حزب الله حقيقياً.
ويرى مصدر مقرّب من الملف أن ما يقوم به حزب الله اليوم يسعى أولاً وأخيراً إلى «سحب صدقيّة القرار الظني» وبالتالي المحكمة، بحيث عندما يصدر القرار يكون بالنسبة إلى الرأي العام اللبناني «أسطوانة قديمة». ويستطرد هذا المصدر بأن مقربين من حركة ١٤ آذار «فهموا لعبة حزب الله» ويريدون إفشالها، إلا أنهم يرتكبون خطأ كبيراً لأن خطة حزب الله «مفيدة داخلياً»، إذ إنها تسعى الى سحب فتيل الانفجار مسبقاً عبر «تدجين الرأي العام» بحيث يتقبل أي قرار ظني. ويرمي هذا المصدر على «من يقف وراء ١٤ آذار» الملامة في «الترويج والدعاية» للقرار الظني العتيد عبر تسريبات «من داخل المحكمة ومن خارجها»، في إشارة إلى موظفين عملوا في طاقم التحقيق لفترة.
وبالطبع، تأخذ هنا الورقة السورية الموجودة في يد باريس أهمية قصوى، لأنه حسب دبلوماسي عربي في حال انفجار الوضع اللبناني لا يمكن تصور أي «تكملة لنشاط تفاوضي على أي من الخطوط» وأن كل الملفات من مصر إلى إيران، مروراً بالعراق ودول أخرى «سوف تتشابك بعضها فوق بعض» وتكون بداية خروج عملاق تغيرات في المنطقة من القمقم اللبناني.