الانتخابات البلديّة بدأت في عكار. الإقطاع والعائليّة والمناطقيّة (على مستوى الأحياء) وجهاً لوجه مع تيارَي المستقبل والوطني الحر، اللذين يظهران، حتى اليوم، خشية من المواجهة، في وقت ينشط فيه النواب الحاليون والسابقون لتصفية حسابات عالقة
غسّان سعود
تأجيل أو لا تأجيل، لا أحد يهتمّ بموعد الانتخابات البلديّة في عكار. فمن خسر الانتخابات السابقة نام على حقد نحو خمس سنوات، حاسباً بانتباه خطواته، آملاً إسقاط خصمه بالضربة القاضية في المواجهة المقبلة. ومن فاز عام 2004 لم يسكر وانشغل بدراسة وسائل الحفاظ على هذا الانتصار. وبينهما ظاهرة جديدة، إذ تكتشف الماكينات الانتخابيّة يوماً تلو الآخر أن السياسة غيّرت بعض الثوابت. لكن الاستعداد للانتخابات المقبلة سيظهر بوضوح ما إذا كان الانتماء الحزبي قد تجاوز الانتماء العائلي، أو لا. وسيظهر من جهة أخرى مدى تراجع نفوذ الإقطاعيين الذين لطالما تألّفت اللوائح في صالونات منازلهم.
سنيّاً، هناك 5 بلدات أساسية ترسم صورة عن المشهد السنّي العام في عكار، هي: ببنين، برقايل، عكار العتيقة، فنيدق وحلبا.
في ببنين، هناك النائب خالد ضاهر الذي يستصعب تفويت مناسبة كهذه من دون إبراز حجم نفوذه، النائب السابق مصطفى هاشم الذي يودّ التأكيد أن التاريخ لم يتجاوزه وأن لديه في بلدته حيثيّة جديّة، ومفتي عكار أسامة الرفاعي الذي بدأت تلوح في وجهه معركة من بعض رجال الدين السنّة تستوجب عليه تأكيد حضوره في بلدته. يضاف إلى هؤلاء الثلاثة الذين يدورون في فلك تيار المستقبل، لكنّ كلاً منهم يريد رئيساً على ذوقه، منسّق تيار المستقبل في عكار، حسين المصري، وهو شقيق الرئيس الحالي للبلدية هيثم المصري. وبالتالي، فإن التحدي الأول بالنسبة إلى تيار المستقبل هو التوفيق بين أبنائه وتوحيد صفوفهم، علماً بأن من يواجههم قد يسهل توافقه بسبب قربه من الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يعدّ خصماً مشتركاً للسابق ذكرهم كافّة، علماً بأن المرشح المذكور (خالد المصري) يحظى بتأييد بعض عائلته وهو يتواصل جدياً مع الجماعة الإسلامية ومع رئيس المجلس البلدي السابق، عدنان الرفاعي.
أما في برقايل، فيعجز تيار المستقبل حتى اليوم عن إيجاد مرشح جدّي يناوئ رئيس المجلس البلدي الحالي عبد الحميد الحسن الذي استمر طوال السنوات الماضية يجاهر بالاعتزاز بعلاقاته مع بعض الضباط السوريين، مادحاً في مناسبة ومن دونها الرئيس إميل لحود. ويستفيد الحسن في استمراره قوياً من التفاف معظم العائلات الأساسية في برقايل حوله، رغم أن هواها السياسي يخالف هواه.
تحاول القوّات إخراج المعركة من طابعها السياسي نظراً إلى تفوّق الوطني الحر
وفي عكار العتيقة، لم تتبيّن بعد الخيوط السوداء من الخيوط البيضاء في المعركة، وسط إجماع في البلدة، التي يؤيد أكثر من تسعين في المئة من أبنائها تيار المستقبل، على أن الاعتبارات العائلية ستطغى على ما عداها، في وقت تشهد فيه بلدة فنيدق صراعاً لافتاً. ففي هذه البلدة هناك 3 قوى رئيسية، تحالف اثنتين منها وضبط تهريب الأصوات يتيحان فوزهما في المجلس البلدي. هذه القوى هي عائلة زهرمان التي تلتفّ اليوم في ما يشبه الإجماع حول النائب خالد زهرمان، وعائلة البعريني التي يمثلها النائب السابق وجيه البعريني وعائلة زكريا شبه المنقسمة بين محمد بكار زكريا وآخرين. وهناك في البلدة رئيس المجلس البلدي الحالي ورئيس اتحاد بلديات جرد القيطع سميح عبد الحي والنائب السابق في كتلة المستقبل محمد المراد. والواضح أن البعريني يحبّذ التفاهم مع آل زكريا بحيث تذهب رئاسة المجلس البلدي إليهم، مقابل إعطائهم أصواتهم له في الانتخابات النيابية المقبلة. وهو اتفاق لا يخفي النائب زهرمان قدرته على فرض معركة جدية، لكنه يرتاح إلى تواصله مع كثيرين من آل زكريا واعتقاده بأن في استطاعته تحقيق خرق. وفي كل الحالات يتبيّن أن تيار المستقبل الذي يحظى بالأكثرية في بلدة فنيدق مضطر إلى مراعاة العائلية والدخول في مفاوضات مع العائلات.
تبقى حلبا، مركز القضاء، التي يرأس رئيس مجلسها البلدي اتحاد بلديات الشفت أيضاً. والرئيس الحالي قريب من النائبين السابقين مخايل الضاهر وطلال المرعبي، وهو يحظى في معركته المقبلة بدعم معظم مسيحيّي حلبا الذين يمثّلون بيضة القبان عادة في انتخابات هذه المدينة. في وقت يبدو فيه واضحاً أن المستقبل يترك حتى اليوم البلدات السنيّة الكبيرة لعائلاتها، مركّزاً على البلدات الصغيرة حيث لا توجد نزعة عائليّة جديّة، مفضّلاً عدم التدخل حتى الآن في البلديات المستحدثة في وادي خالد وجبل أكروم، حيث تلوح من بعيد مشاكل عائلية وعشائرية كبيرة. ويقول أحد المسؤولين في المستقبل إن عدم تدخل التيار في الانتخابات يغنيه عن أوجاعها.
مسيحياً، هناك 3 عناوين للمعركة، هي: القبيات، منيارة ورحبة. في الأولى، تأخذ المعركة الانتخابية طابعاً سياسياً بامتياز (هذه حال القبيات منذ نهاية التسعينيات). وفي وقت يتمسك فيه النائب هادي حبيش بطرح مبدأ التوافق بين مختلف القوى السياسية في البلدة، لم يتّضح بعد ما إذا كان التحالف الانتخابي الذي ركّب عام 2009 بين التيار الوطني الحر والنائب السابق مخايل الضاهر والمحامي جوزف مخايل في مواجهة تحالف النائب هادي حبيش والقوات اللبنانية سيتكرر، علماً بأن هذا التحالف سمح لمرشح الوطني الحر في الانتخابات الماضية بالتقدم على حبيش في القبيات نفسها بأكثر من 300 صوت. وليس هناك في القبيات أيّ فرز عائلي يسمح بالقول إن حسابات الانتخابات النيابيّة هي غير حسابات الانتخابات البلدية. يشار هنا إلى أن المرشح المدعوم من حبيش فاز في الانتخابات البلدية الماضية نتيجة تضافر جهود معظم القوى السياسية والعائلية في القبيّات بتوجيه من الاستخبارات السورية لإسقاط لائحة مخايل الضاهر، تمهيداً للقول إن من خسر المجلس البلدي في بلدته لا يستطيع أن يكون مرشحاً لرئاسة الجمهورية. وتحاول القوات اللبنانية في البلدتين المجاورتين للقبيات، عندقت وشدرا، إخراج المعركة من طابعها السياسي نظراً إلى تفوّق الوطني الحر، وخوض معارك عائليّة تؤدّي إلى تحجيم التيار، القويّ في هاتين البلدتين، قليلاً.
وفي الثانية، يبدو واضحاً تجاوز الخيارات السياسية للمواقف العائلية. فكثير ممن كانوا بحكم موقع العائلة مع لائحة في الانتخابات السابقة صاروا اليوم مع اللائحة الأخرى بحكم موقفهم السياسي. ويمثل الوزير السابق يعقوب الصراف خير مثال هنا. فبين اللائحة التي يترأسها أنطوان عبود وتحظى بتأييد معظم العونيين وبعض الكتائبيين، واللائحة القواتية التي يسعى سليم الزهوري إلى تأليفها، سيدعم الصراف، في حال تعثر التوافق الذي يدعو إليه، اللائحة الأولى، رغم أن معظم أنصاره انتخبوا اللائحة المناوئة لعبود في الانتخابات الماضية.
وفي الثالثة، رحبة، تنقسم الأحزاب عند أقدام العائلات. فالتيار الوطني الحر يحافظ على انقسامه منذ أربع سنوات بين من هم، لحسابات عائلية، مع الرئيس الحالي للمجلس البلدي ومسؤول مؤسسة فارس في لبنان سجيع عطية، ومن هم مع النائب السابق عبد الله حنا. والحزب السوري القومي الاجتماعي منقسم أيضاً بين أكثرية تؤيد عطيّة، الذي يفترض أن يطلب رئيس الحزب أسعد حردان من جميع الحزبيين دعمه، وسلفادور مطر الذي علّق عضويّته في الحزب وهو يراهن على دعم آل الخوري، القوميين بمعظمهم (زوجة الرئيس السابق للحزب أسد الأشقر كانت من آل الخوري من رحبة). وطالما هناك انقسامات، فلن يترك الحزب الشيوعي أحد يعاتبه. فالكتلة الشيوعية الناخبة المؤثرة في رحبة باتت موزعة بين الحزب، اليسار الديموقراطي (ممثلاً بنعمة محفوظ) والإنقاذ (مجموعة أساتذة). كل ذلك يجعل معركة رحبة، التي يفترض أن خسارة عطيّة لها شبه مستحيلة، مجموعة معارك داخل الأحزاب الواحدة.