اندلعت الحرب من جديد في إقليم ناغورنو كاراباغ، رغم الاتفاقات السابقة لوقف إطلاق النار. ومن جديد، تتدخل تركيا في الأزمة مباشرةً، علّ باكو تدخل أخيراً في دائرة نفوذها. وقد أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، أن بلاده «ستقف إلى جانب الشقيق الأذري حتى نهاية العالم».
ففي قلب القوقاز، وقرب منابع نفط بحر قزوين حيث يدور الصراع على إقليم لا تزيد مساحته على نصف مساحة لبنان، تتشابك وتتصادم المصالح الإقليمية والدولية بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، فضلاً عن اللاعبَين الأساسيَّين، أرمينيا وأذربيجان. والمعروف أن المنطقة تحوي ثروات طبيعية غنية وإمكانات اقتصادية وصناعية وزراعية كبيرة.
الجولة الأخيرة
تجاوزت المناكفات العسكرية لتبلغ
حدّ الحرب

وبالعودة إلى التاريخ، يذكر أن أرمينيا وأذربيجان استقلتا عن الإتحاد السوفياتي عام 1991. وفي وقت لاحق، عام 1992، أعلن الأرمن من سكان ناغورنو كاراباغ استقلالهم وقيام دولة جديدة منفصلة عن أذربيجان وغير تابعة لأذربيجان ولا لأرمينيا، بعد استفتاء قاطعه الأذريون. ونتيجة لهذا القرار، نشب نزاع مسلح أودى بحياة آلاف المواطنين. وعام 1994 جرى التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ولكن لم يحصل اتفاق نهائي. وعام 2008، وقّعت كل من أرمينيا وأذربيجان إعلاناً يدعو إلى «تسوية سلمية» للنزاع، إلا أن المعارك بين القوات الأرمينية والأذربيجانية تواصلت.
والجولة الأخيرة تجاوزت المناكفات العسكرية المعتادة لتبلغ حد الحرب بكل معنى الكلمة. ويقول المتابعون للملف إن التصعيد العسكري متصل بتوتر العلاقات بين روسيا وتركيا وبحث الأتراك عن أوراق ضغط إضافية على الروس. علماً أن علاقة أرمينيا وطيدة بالروس، فيما علاقة أذربيجان وطيدة بالترك، وغير مستقرة مع إيران بسبب مشكلة جغرافية رغم الرابط المذهبي الشيعي المستبعد كمؤشر لعمق النزاع. وفي المقابل، تدعم إيران أرمينيا لأسباب اقتصادية، فأرمينيا تشتري النفط الإيراني، فيما تبيع أذربيجان النفط لإيران. ويرى الجانب الأرمني أن الرئيس الأذري إلهام علييف، في خلال زيارته لتركيا منتصف الشهر الماضي، حصل على ضوء أخضر تركي بالتصعيد، ما يفسر المناوشات وخروق وقف إطلاق النار في كاراباغ. أما روسيا، فطلبت عبر لافروف من تركيا وقف التدخل في شؤون جيرانها ودعم الإرهاب. إلا أن الموقف الروسي سياسي فقط حتى الآن، في ظل تشكيك كثيرين بقدرة الروس على فتح جبهة إضافية في البلقان الآن. لكن التلويح الروسي بالرد يكفي لإخافة أذربيجان التي لا يمكن أن تثق بتوفير الأتراك دعماً مطلقاً، في ظل تركهم حلفاءهم هنا وهناك في منتصف الطريق. أما المستفيد الرئيسي من النزاع والمهتم بتحويله حرباً واسعة النطاق، فهو الولايات المتحدة التي تريد إضعاف روسيا في تلك المنطقة، وإنهاك تركيا أكثر فأكثر، والسيطرة على أذربيجان على المدى الطويل كموطئ قدم لها في القوقاز. وهي رحبت بالحل السلمي، لكنها لم تُدِن أذربيجان لأعمالها العدائية، كذلك فإنها لم تساند أرمينيا في الدفاع عن حقوقها إلا ضمن نطاق ضغط اللوبي الأرمني.