تختلف طقوس الاحتفال بالتوزير في منزل الوزراء التكنوقراط عن الاحتفالات في منازل السياسيين. فالتكنوقراط يفضّلون الاتصال الهاتفي السريع للتهنئة بدلاً من التظاهرات الشعبية الحاشدة
غسان سعود
بالطريقة نفسها يكرر وزير السياحة الجديد فادي عبود إرشاد الصحافيين إلى منزله: «تصل إلى تمثال الشيخ بيار عند مدخل بكفيا الجنوبي وتسأل عن منزل فادي عبود فيجيبونك مستفسرين: القومي؟ قل لهم كلا، العوني! وبسرعة يرشدونك». قبل المنزل بعشرات الأمتار، ثمّة حلاق مسنّ يفرحه السؤال عن منزل الوزير الجديد فيشير إليه بإصبعه، مؤكداً أن عمر بيت عبود الواقع عقارياً في بلدة ساقية المسك والمشرف على بكفيا يتجاوز مئتي عام. الحلاق يوصي الزوار بإيصال سلاماته إلى معاليه.
«معالي الوزير» يستيقظ نحو السابعة، قبل ساعة من الموعد المعتاد، ليشرب «النسكافيه»، يطالع عمودياً الصحف اللاهجة باسمه، ثم يتفقّد الـ missed calls والـ sms، يجيب على بعضها، ثم يستحمّ.
أين الأسرة؟ زوجته الأرجنتينية الأصل تعيش في إنكلترا مع ابنهما فادي «جونيور» (23 عاماً) الذي يدرس «غرافيك ديزاين» في لندن، وجونّا (21 عاماً) تدرس الفلسفة في مدينة مانشستر.
يعيش وحيداً إذاً؟ أفضل، يقول أحد الموجودين، هكذا يتفرّغ للعمل الوزاري أكثر.
وزير السياحة الجديد يطل على الصالون قبل أن ينهي ارتداء ثيابه، بابتسامته العملاقة ليقبّل بحماسة الموجودين وينادي مرافقه، سيمون، ليجهّز السيارة.
ويبدأ اليوم الوزاري الأول في حياة هذا الرجل من الكنيسة حيث كان خوري الرعية ينتظره قائلاً: «ادخل لتشكر العذراء».
ومن الكنيسة إلى مدافن العائلة، يدخل فادي وشقيقه الأكبر منه بثلاثة عشر عاماً ليقفا قبالة مدفني والديهما (توفي قبل نحو 18 سنة وتوفيت الوالدة قبل 3 سنوات)، ثم يضيء الشقيقان شمعتين يتلاقى ضوؤهما مع بريق حزين في عيني فادي عبود الذي ينظر إلى شقيقه قائلاً: كل العائلة هنا، غداً نلحق بهم.
عبود ليس من عائلة سياسية، جده كان أحد «الملاكين» في المنطقة، وقد باع أرضاً ليسافر والدُ الوزير، عام 1926، بليراتها الذهبية إلى دولة غانا الأفريقية ويؤسس هناك مصنعاً لأدوات المطبخ. والحديث عن الوالد ينتهي بسرعة حين يتذكر عبود يوم زاره في لندن واكتشفا معاً إصابته بمرض خبيث توفي بعد 42 يوماً فقط من معرفته به. يتأمل عبود بضع دقائق، يردد بصوت خافت أن والده كان أكثر من وجّهه نحو القطاع العام وشجّعه على القيام بدور سياسي.
«معاليه»، كما يقول ناطور المنزل مرحّباً، لا يمثّل إذاً حيثية عائلية ولا مناطقية، فبلدته ساقية المسك ـــــ بحرصاف تقع ضمن نطاق «جميلستان»، وغالبية أبناء البلدة يناصرون آل الجميل الذين خسروا حقيبة السياحة لمصلحة عبود. هذا السبب، ربما، جعل المهنئين من أبناء البلدة في المنزل الكبير أقل من أصابع اليد (بين المهنئين كان المسؤول الكتائبي في البلدة) وكان واضحاً أن هذه المقاطعة تحزّ في قلب عبود الذي أكد لأكثر من متصل أن «الفرحة كبيرة ما عدا في ضيعتي». والمقاطعة شملت الخصوم والحلفاء المفترضين، فلا سامي الجميل، ابن بلدة عبود (قلّة يعرفون أن منزل عبود في ساقية المسك لا في بكفيا) اتصل، ولا النائب السابق غسان الأشقر الذي يعتبره عبود «خاله» اتصل، ولا زملاء عبود المتنيون في تكتل التغيير والإصلاح اتصلوا (أقله حتى الساعة الواحدة ظهراً). وكانت لافتة في هذا السياق المقاطعة العونية، علماً بأن عونيّي جميلستان ربما أكثر المستفيدين من اختيار عبود لقدرته على تأمين ملجأ معنوي لهم في معقل آل الجميل.
في المقابل، تكثّف الطلب على عبود في سوق المقابلات الإعلامية: إذاعة النور على الهاتف وتلفزيون المنار في الصالون، تغادر مراسلة الـ إم تي في لتدخل مراسلة نيو تي في، يقفل مع إذاعة الشرق فيبدأ مع صوت المدى.
والكلام نفسه يتكرر: «نمت واستيقظت وأنا أفكر من أين أبدأ، حتى أذني لم تعتد بعد على كلمة وزير سياحة، الحمل ثقيل، ولا سيما أنه القطاع الإنتاجي الأول في لبنان، للمرة الأولى منذ 25 سنة سيكون ثمة رأيان اقتصاديان في مجلس الوزراء».
في المقابلات وعلى الهاتف يسألون أولاً عن سر الانتقال من الصناعة إلى السياحة، فيبدأ هو الكلام عن الصناعة السياحية كأنه خلق في الأساس ليكون وزيراً للسياحة لا للصناعة، علماً بأنه باق رئيساً لجمعية الصناعيين لأن ولايته الثانية والأخيرة بحسب القانون شارفت على الانتهاء. وكثيرون يهتمون بمعرفة سرّ اختيار الجنرال له فيروي لهم أنه سأل بدوره الجنرال، فردّ عليه بإن حاكماً أراد تعيين قاضٍ مرة فسأله مجلس المدينة عن المواصفات المطلوب توافرها في المرشحين فأجابهم: شخصية وأخلاق وبعض المعرفة بالقانون. ورداً على سؤال، يجيب عبود باعتزاز: «أنا عضو في الرابطة المارونية، لي حيثيّتي الاقتصادية، كنت وما أزال معجباً جداً بمبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي رغم المآخذ الكثيرة على بعض الأداء، ملتزم بكل مواقف تكتل التغيير والإصلاح وسأسعى لأكون قيمة مضافة بالنسبة إلى التيار الوطني الحر».

أعزب لديه أسرة: يستيقظ، يشرب «النسكافيه»، يطالع الصحف ويتفقّد الـ missed calls والـ sms
ويعرف الوزير الوافد جديداً إلى السياحة كيف يميز نفسه: «اقتصاد الخدمات ينفذه الخدم ونحن لسنا خدماً عند أحد، ولّى زمن سياحة الستين يوماً وسنقدم مشروعاً للسياحة على مدار الفصول، لديَّ أحلام على صعيد السياحة البيئية والسياحة الرياضية والسياحة الطبية». ولا ينتهي حوار في السياحة من دون المرور بفنادق الجبل، فيسمّي عبود فنادق جبلية «كان لها عز»، مؤكداً أن السياحة البيروتية أساسية، لكن ثمة مناطق تحتاج إلى عناية فائقة. فلا يجوز أن يبقى مرفأ جونية على حاله، ويمكن بسهولة إنعاش بلدات متنية كثيرة، ويفترض وضع البقاع والجنوب على الخريطة السياحية».
شقيقة الوزير تضيف القهوة مع ابتسامة خجولة. الهواتف الثلاثة لا تكفّ عن الرنين، المرافق يهتم ببعض الاتصالات وعبود يتكفّل بالبعض الآخر. وحين يدخل الصحافي جورج بشير يتعانقان ويضحك عبود كثيراً مردداً: «صدقت معلوماتك». فيجيبه بشير: المهم ألا تهرب إلى إنكلترا. ما القصة؟ يسأل أحد الحاضرين فيروي بشير أن العماد ميشال عون كان ينوي ترشيح عبود إلى الانتخابات الفرعية عام 2007، لكن الرئيس أمين الجميل أحرج عبود خلال دعوة غداء خاصة، ما دفع الأخير إلى السفر في اليوم نفسه والعودة بعد الانتخابات.
بعد وقت مستقطع صغير من دون هواتف، يدخل المرافق ليبلغه أن مسؤول البروتوكول في قصر بعبدا يتمنى على الوزراء ارتداء بذلة قاتمة، فيسارع بشير إلى ممازحة الوزير قائلاً إن لديه بذلة مميزة في السيارة، فيرد عبود النكتة بسرعة قائلاً: «عيب أن أزور القصر في اليوم الأول كوزير مرتدياً شورت».
يسبقه الوقت، فيمرّ اليوم الوزاري الأول على الوزير من دون «غداء محترم»، فتفتقد طاولة السفرة الحمّص والتبّولة ويتناول «معاليه» بضع قطع من فيليه السمك على الواقف.