القاهرة ــ خالد محمود رمضانعملياً، تجاوزت السعودية هذه الأزمة وفتحت الطريق نحو تقارب بوتيرة بطيئة، لكن فعالة باتجاه دمشق، فيما بقيت القاهرة تترقّب وتنتظر إلى حين.
كذلك فإنّ الرئيس حسني مبارك لديه مآخذ عدّة على التقارب السوري الإيراني الذي يعتقد أنه يفتح المجال للتدخل الإيراني في الشؤون العربية، ولا سيما عبر تأثيرات إيران في الساحة اللبنانية من خلال حزب الله.
القاهرة التي لم تعلّق سلباً أو إيجاباً على التقارب الأخير بين الرياض ودمشق، تعتقد أن المهم هو ما سيتمخّض عن قمة الملك السعودي مع الرئيس الأسد على الأرض، سواء في لبنان أو في العلاقات مع إيران.
وفيما ترى مصادر مصرية أن القاهرة كانت على علم مسبق ببرنامج زيارة الملك عبد الله إلى سوريا، فإنها أكّدت أن التوقعات بانضمام الرئيس المصري مبارك إليهما هي توقعات إعلامية فقط، ولا تستند إلى أية معطيات سياسية أو دبلوماسية.
والملاحظ أن السفير السعودي بالقاهرة هشام محيي الدين الناظر، وهو خبير في الشؤون العربية، قال في رده على سؤال قبل يومين لـ«الأخبار»، إنّ القاهرة والرياض تعملان معاً لخدمة المصالح العربية، رافضاً الخوض في تداعيات المشهد السياسي بوضعه الراهن.
صحيح أن الحملات الإعلامية بين القاهرة ودمشق قد توقفت إلى حين، لكنّ الصمت المصري المطبق تجاه زيارة الملك السعودي لدمشق يبدو مريباً، كما وصفته أوساط عربية في القاهرة.
مسؤول مصري قلّل في تصريحات مقتضبة لـ«الأخبار» من هذه التكهّنات، وقال في المقابل، «نحن مع أي تقارب عربي يؤدي إلى حل المشكلات وتجنب الأزمات»، قبل أن يرفض الإفصاح أو يرد على المزيد من الأسئلة التي وجهت إليه.
في ما مضى، كان المحور الثلاثي بين القاهرة ودمشق والرياض قادراً على حل المشكلات وإثارة غضب الكثير من الدوائر الأميركية والإسرائيلية والغربية التي لا تريد إلا سوءاً بالدول الأعضاء في الجامعة العربية. أمّا الآن، فقد انفرط عقد التحالف ومضى كل في طريق لا يلوي على شيء.
انقطع الطريق إلى دمشق ولم يعد سالكاً. وبات على الأسد أن ينتظر تغييراً في موقف القاهرة، فيما يمتنع الرئيس حسني مبارك أو أي مسؤول مصري آخر رفيع المستوى عن زيارة عاصمة الأمويّين بلا تفسير. وفي المقابل، لم تعد القاهرة مدرجة على جدول أعمال الرئيس الأسد أو كبار معاونيه. وبدا أن استحكام الخلافات قد وصل إلى مستوى العلاقات الشخصية، فبات الجفاء والفتور سيّدَي الموقف إلى حين.
وبينما تتجه الدبلوماسية المصرية شرقاً وغرباً، سقطت دمشق من خريطة هذه التحركات على نحو مؤسف ويدفع للتساؤل. بيد أنه لا أحد لديه إجابة محددة وواضحة عن الذي أدى بالأمور إلى هذا الوضع غير المقبول، وخصوصاً أنّ ما يحكم علاقات أي دولتين هي نظرة كليهما إلى المصالح المشتركة والأدوار المتبادلة، لا تلك النظرة الضيقة التي تقطع شعرة معاوية ولا تقيم لحسابات الأمن القومي والاستراتيجية الجغرافية أي وزن أو اعتبار.
منذ زمن لم يرد اسم سوريا في أي تصريحات للرئيس مبارك أو وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، وهو وضع مؤسف بالنظر إلى حجم العلاقات المصرية السورية في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وبدايات عهد نجله بشار. أضف إلى ذلك أنه ليس بإمكان صانع القرار أو السياسة الخارجية المصرية إلغاء سوريا من المشهد السياسي الإقليمي، كما أنه ليس بالإمكان تجاهل الدور الذي تؤدّيه بقوة في أكثر من ملف سواء في ما يجري في لبنان أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو العراق، وصولاً إلى علاقات العرب مع إيران وتركيا.
إذا كان السوريون قد أخطأوا ذات يوم، فإنهم حاولوا أكثر من مرة إصلاح هذا الموقف، ومضوا إلى أبعد من ذلك. لكن هذه المحاولات لم تجلب استجابة فورية من الدوائر المصرية، وهو ما يدفع إلى التساؤل: هل باتت دمشق أبعد من تل أبيب، أم المنطق يحتّم التذكير بأنه لا بد من دمشق وإن مالت!