مرَّ انتقاد النائب طلال أرسلان تقاسم أقوياء المعارضة الحصص دون أخذ كل أطياف المعارضة بعين الاعتبار مرور الكرام. الأمر يثير نقمة وسط الأرسلانيين الذين لا يفهمون «إصرار المعارضة على قتل الناطور وإطعام العنب للذئاب»
غسّان سعود
يبدو المشهد جذاباً جداً حين يحتدم النقاش بين أرسلانيين سابقين ـــــ جنبلاطيين حاليين وأرسلانيين حاليين في شأن موقع طلال أرسلان في الطائفة الدرزية. وخلال ثوانٍ قليلة تتبلور ثلاث وجهات نظر في شأن ضعف المرجعية الأرسلانية يحتشد المتحاورون خلفها. واحدة ترى أن مأزق الزعامة الأرسلانية شبيه بمأزق الشمعونيين والأمر مرتبط بالحرب والميليشيات، وأخرى ترى أن شخصية طلال أرسلان الضعيفة مقارنة مع شخصية وليد جنبلاط هي السبب، وثالثة تحمّل السوريين سابقاً والمعارضة اليوم المسؤولية.
أنصار النظرية الأولى أداروا ظهرهم إلى زعيم خلدة ومشوا إما في ركب الجنبلاطيّة أو في الأحزاب ذات الصدى الشعبيّ اليزبكيّ في الطائفة الدرزية، كالحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار التوحيد. ويبدو من كلام هؤلاء أن مشكلتهم مع الأرسلانية قديمة بدأت منذ قرر مجيد أرسلان إبان ثورة 1958 الصعود إلى المختارة لمحاصرة كمال جنبلاط، مروراً بالتزام مجيد أرسلان انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية.
أما المؤيدون لوجهة النظر الثانية فبدأوا منذ أوائل التسعينيات يحسمون خيارهم في أن حقوقهم كدروز في النظام اللبناني تؤمن لهم من المختارة لا من خلدة. ويقول أحد هؤلاء إن جنبلاط بذل جهداً كبيراً لتوريث طلال أرسلان لا فيصل أرسلان الزعامة الأرسلانية. فاصطحبه في جولات على القرى الدرزية قبل أن يشركه في لقاء بيت الدين على حساب شقيقه. وسرعان ما توسط عند المعنيين لتسميته وزيراً في الحكومة الأولى لعمر كرامي بعد الطائف.
في السياق نفسه، يشير أرسلاني سابق إلى أن الكلام عن دعم سوري لجنبلاط على حساب أرسلان غير دقيق، لأن السوريين عيّنوه نائباً عامي 1991 و1992، ورغم هزيمة لائحته في الانتخابات النيابية عام 1996 طلبوا من الرئيس رفيق الحريري توزيره، وتكرر الأمر نفسه إثر هزيمة لائحته في انتخابات الألفين. يضيف زميله أن التيار اليزبكي توزع على شخصيات عدّة (شقيقه فيصل، قائمقام شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث، فيصل الداوود وأنور الخليل) حرص أرسلان طوال سنوات على مخاصمتها بدل توحيدها تحت عباءته. أصحاب وجهة النظر هذه يرددون دائماً رواية عن أرسلاني سابق توجه مرة صوب رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط مصارحاً: مشكلتنا يا وليد بك، نحن اليزبكيين، أننا شعب من دون قائد وأنت قائد من دون شعب.
يستهل أصحاب النظرية الثالثة الكلام عبر المقارنة بين الدعم الذي وفّره سعد الحريري ووليد جنبلاط، القويين في طائفتيهما، لحليفيهما الضعيفين في طائفتهما، أمين الجميّل وسمير جعجع، والدعم الذي وفّره الأقوياء في طوائفهم في المعارضة للضعفاء في المعارضة في طوائفهم. ويشيرون إلى تسجيل المعارضة مفارقة: بعد تحجيم المعارضة لأرسلان نيابياً وحرمانه من مقعد في حاصبيا، تجاهلت المعارضة اجتماع شيخي عقل الطائفة الدرزية وإعلانهما باسم الطائفة للمرة الأولى في تاريخ الدروز الإجماع على ضرورة تمثل كل من جنبلاط وأرسلان في الحكومة. كأن المعارضة تتمسك بالأحادية الجنبلاطية في الطائفة الدرزية.
يثير هذا الأمر غضباً كبيراً في الأوساط الأرسلانية، ينسجم معه طلال أرسلان مرة فيصعّد ضد بعض المعارضين، ويلجمه مرات فتكثر الأقاويل وسط الناس: هنا أحدهم يتذمر من تكرار المعارضة لما فعله السوريون برئيس الحزب الديموقراطي حين نفخوا جنبلاط الحليف البعيد، وأهملوا أرسلان الحليف القريب. وهنا آخر يشرح أن تكتل التغيير والإصلاح يضم أربع كتل نيابية هي المردة والطاشناق والحزب الديموقراطي والتيار الوطني الحر، مستغرباً أن يمثل المردة والطاشناق والتيار الوطني الحر في الحكومة ويستبعد الحزب الديموقراطي. ويقاطعه زميله قائلاً إن على العماد ميشال عون، إذا كان يعتقد أن «الزعيم المسيحي لا يفترض أن يمثل في الحكومة إلا بوزراء مسيحيين أن يعلمنا، وعندها نخرج من التكتل وننشئ كتلة درزية»، علماً بأن الحزب الديموقراطي كان قد أبلغ رسمياً النائب عون استعداد الأرسلانيين للتمثّل بوزير أرثوذكسي هو النائب السابق مروان أبو فاضل الذي، بحسب المصادر الديموقراطيّة، يمكن أن يعزز الزعامة المسيحية لعون، سواء بفضل حيثيته الأرثوذكسية أو بفضل علاقاته ببعض الفاعلين في الإدارة الأميركية. ويعدد أحد الطلاب في الحزب الديموقراطي نماذج عدة عن الإقصاء الذي مارسته المعارضة تجاه طلاب الحزب الذين كانوا يتطلّعون إلى بعض التشجيع والدعم المعنوي من زملائهم في المنظمات الطالبية المعارضة.
ختاماً، يرى شيخ درزي مقرّب من أرسلان أن الأمر لا يتعلق بنائب ولا بوزير، وزعيم خلدة سيبقى في السياسة حيث هو، لكن الأمر يتعلق بهالة هذا الزعيم الذي بات يأتيه يومياً سائل عمّا جناه أنصاره من وقوفهم طوال 3 سنوات مع المعارضة ضد الجو العام في مجتمعهم. ويرى الشيخ نفسه أن أرسلان كان عرّاب عودة جنبلاط إلى المبادئ العروبية، وكان يفترض بالمعارضة عشية تأليف الحكومة أن تتصرف معه على هذا الأساس.

أرسلان يعيد جنبلاط إلى موقعه

فهم وجهة النظر هذه يتطلب المرور بدارة خلدة. هناك، يرفض أرسلان الدخول في تفاصيل ما حصل، مكتفياً بالإشارة إلى أحد أصدقائه ليروي ما قاله الرئيس نبيه بري أمام الوفد الديموقراطي الذي زاره أخيراً، حين التفت بري صوب أرسلان مردداً: «أنت الأساس يا مير، لو لم تبادر في 7 أيار باتجاه جنبلاط بجرأة لما حصل كل ما حصل».
الرواية سريعة، يوم 7 أيار الشهير شعر طلال أرسلان بخطورة انتقال المواجهات إلى الجبل وأخذها طابعاً درزياً ـــــ شيعياً، فاتصل بوليد جنبلاط بعد قطيعة استمرت حوالى 3 سنوات ونصف السنة، مبدياً استعداده لكل أمر، فشكره أبو تيمور. وفي اليوم التالي، حين حاصر أنصار المعارضة منطقة كليمنصو، بادر أرسلان مرة أخرى إلى الاتصال بجنبلاط، واضعاً نفسه وسيارته بتصرفه إذا أراد مغادرة كليمنصو إلى أي مكان آخر. ومع انتقال المناوشات إلى الجبل (عرمون وبشامون)، ونصب الاشتراكيون حاجزاً في الناعمة في موازاة استنفارهم في منطقة الباروك، وخطفهم 3 من أنصار المعارضة في منطلة تلة الثلاث ثلاثات، اتصل أرسلان بقيادة حزب الله طالباً تحييد الجبل. فأجابه الأمين العام حسن نصر الله أنه مستعد لذلك شرط إيقاف الحزب التقدمي أعماله الأمنية، وفوّض نصر الله أرسلان الاتفاق مع جنبلاط الذي قال في اليوم نفسه إنه يحتاج إلى 24 ساعة للتفكير. وفي اليوم التالي، أثناء وجود ممثل أرسلان النائب السابق مروان أبو فاضل عند جنبلاط يفاوضه، أعلن أن كميناً نصبه مؤيدون لأحد المتشددين الدروز (يعرف بالداعية عمار) قضى على مقاتلين في حزب الله كانوا في سيارتهم على طريق الشويفات، ما دفع الحزب إلى الاستنفار وبدء هجومه على بلدات الشويفات ودير قوبل وعيتات والباروك، ما سرّع إعلان جنبلاط تسليمه أمن الجبل لأرسلان، علماً بأن أرسلان في تلك المرحلة كان يحرص على إبلاغ زعماء المعارضة كافة، دون استثناء، بتفاصيل اتصالاته السياسية والأمنية كلها.
لاحقاً، أول زيارة لجنبلاط بعد المعارك كانت إلى منزل أرسلان في خلدة، وبدأ تبادل الزيارات بين الرجلين. وسرعان ما نجح أرسلان بسرعة في ترتيب اجتماع في منزله في خلدة بين مسؤولي المناطق في الحزب الاشتراكي، يتقدمهم النائبان وائل أبو فاعور وأكرم شهيب، ومسؤولين من حزب الله يتقدمهم الوزير محمد فنيش ووفيق صفا. وفي خلدة تكثفت اللقاءات، فنظّم مسؤولو الطلاب في الحزب الاشتراكي وحزب الله اجتماعاً، تلاهم مسؤولو الإعلام في الحزبين، فالمسؤولون الأمنيون، بحضور دائم لوسطاء من الحزب الديموقراطي. بعد تلك المرحلة، انتقلت الاجتماعات الثلاثية إلى مكاتب الحزب الديموقراطي في عرمون والشويفات وبيصور وعاليه وكيفون والقماطية. وتوّجت هذه الاجتماعات بواحد جمع جنبلاط وأرسلان ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، ما دفع أرسلان إلى التفكير جدياً في أن ينتقل في وساطته بين الطرفين من الحوار الأمني إلى الحوار السياسي الذي مهّد له أرسلان خلال عشاء على طاولة طارق حمادة (ابن النائب الراحل قحطان حمادة) جمعه وجنبلاط في 25 تموز 2008. ومن يومها، أبدى جنبلاط استعداداً للانفتاح على سوريا والاتفاق مع حزب الله. وكان أرسلان المبادر الأول في اتجاه السوريين أيضاً لمعرفة وجهة نظرهم تجاه خصمه المفترض، فقالوا له منذ أكثر من عام إن أبواب الشام مفتوحة لكل من يريد عبور الحدود، وجنبلاط هو الذي أساء إلينا لا العكس. وهكذا، تابع أرسلان التواصل مع جنبلاط الذي كان واضحاً في تشاؤمه من مستقبل 14 آذار، لكنه حرص على أخذ وقته وعدم تبنّي خطوات يمكن أن تضر انتخابياً بحلفائه المفترضين. ويروي مستشار أرسلان أن الأسد استهل لقاءاته اللبنانية باستقبال طلال أرسلان. وكرر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الأمر نفسه حين استقبل أرسلان في بداية استشاراته بعد الانتخابات. ويذكر هنا أن أرسلان زار يوم الجمعة في 12 حزيران (بعد 5 أيام من الانتخابات) نصر الله لترتيب لقاء بينه وبين جنبلاط، ثم أوفد أبو فاضل ومروان خير الدين إلى الشام لوضع القيادة السورية في صورة ما يجري، قبل أن يضع بنفسه اللمسات الأخيرة على لقاء جنبلاط ونصر الله. ووفق هذه الرواية، يكون أرسلان قد وضع في 7 أيار الحجر الأساس لتشييد جسرين، الأول بين كليمنصو وحارة حريك، والثاني بين المختارة والشام. ومن هنا، يقول محازبوه كان يفترض بالمعارضة أن تكرمه وتعترف له بدوره، بدلاً من البحث عن مبررات لاستبعاده عن الحكومة المنوي تأليفها.

11 أيار هو الأساس

يتردد أرسلان في الجزم بأن المعارضة تخطئ بحقه، مشيراً إلى أن هذا الأمر لم يصبح بعد يقيناً. ويشرح أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لا يرغب حتماً في استبعاده، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية لا يرغب حتماً في ذلك أيضاً. لكن، يقول أرسلان، هناك آخرون لا أحد يعرف كيف يفكرون. ويرى أرسلان أن المعارضة تخطئ كثيراً في اعتقادها أنها قادرة على أن تتذاكى على الواقع الدرزي، وعليها تالياً الاعتراف بأن زعامة خلدة هي حاجة وطنية، فتغيّر أسلوب تعاملها. وعن دعم السوريين ـــــ حلفاء أرسلان المفترضين ـــــ لمعارضين دروز يواظبون على انتقاده، يقول أرسلان إنه يفصل بين علاقاته الشخصية مع عائلة الأسد والأداء السوري السياسي، ولا يعير هؤلاء اهتمامه. ويقول أرسلان إن ما يحصل اليوم هو مجرد فولكلور، و«وليد لم يكن بحاجة إلى وسيط في سوريا، وأنا أبلغته منذ أشهر أن السوريين يرحبون به، والتوقيت في يده». وفي هذا السياق، يوافق أرسلان على الرواية السابق ذكرها، معتبراً أن مبادرته الجدية «باتجاه جنبلاط في 11 أيار، التي انتقدها كثيرون، أسست لاتفاق الدوحة ثم لانتخاب رئيس توافقي، فالاتفاق على حكومة وحدة وطنية، تمهيداً لإجراء الانتخابات، وصولاً إلى خروج جنبلاط من 14 آذار وعودته إلى الثوابت الوطنية».
ويختم أرسلان حديثه بالإشارة إلى تجنّبه الإعلام أو إبراز الإنجازات كي لا يحرق المراحل، لكن ما يحصل اليوم يزعجه كثيراً، وخصوصاً أنه كان يضع المعارضة في تفاصيل خطة الطريق التي يرسمها مع جنبلاط. ولا يحق تالياً للمعارضة أن تنتقص من دوره في رد جنبلاط إلى ثوابت المعارضة.
ختاماً، يثير موقع الزعامة الأرسلانية نقاشاً دائماً، غالباً ما يتشعّب من السياسي ليطال أموراً شخصية ومذهبية واجتماعية واقتصادية. الأكيد، أن استبعاد المعارضة لأرسلان في هذه المرحلة لن يمر مرور الكرام بالنسبة إلى أنصار أرسلان، لا على صعيد علاقتهم بالمعارضة، بل بأرسلان نفسه.