النِّص حريري والنِّص سعد، صيدا البلد حتقرّر الرابح»، يحلف بشيبته أبو العبد، صاحب المقهى الشعبي بالقرب من مدخل صيدا القديمة من جهة القلعة البرية. «بدأ كسر العظم لاستقطاب الناخبين»، يقول، وهو يسكب «النيسكافيه» الساخن لروّاد مقهاه
نارمين الحر
تباشر أم رضا، الأرملة الحنطية ذات الغمّازتين الحادّتين والحجاب البسيط، التي يرى فيها سفير لبنان الأسبق في الأمم المتحدة عبد المولى الصلح «كلمة سر صيدا القديمة»، بوصف حال بلدها: «جدران الأحياء متفسّخة، والأرض متعرّجة ووسخة. نعاني مشاكل في الكهرباء، ومجاريرنا تالفة، ونتنشّق جبل الزبالة يومياً، يا سلام!». يكمل السمّان اليافع طارق المزين رسم صورة المدينة بالقول: «البلد تضج بالشباب العاطلين من العمل وبصناعات تناضل بشق الأنفس لتحيا، كالصيد والحرفة والخياطة وصناعة الحلوى والبوظة». يرى طارق أن البعض يعمّر ويبني كرمى خاطر السياح، لكنّ النفوس والطموح وجيوب الفقر تهمل. «لنرَ ماذا ينوي أن يفعل مرشّحو صيدا، عدا إثارة العصبيات بين أبناء البلد»، يقول المزين. وتضيف أم رضا: «الآن البلد منقسمة بين مؤيدين لسعد ومؤيدين لأم نادر. ولا أدري إن كان أحد حقاً سيؤيّد السنيورة، ليس ابن البلد»، علماً بأن رئيس الوزراء فؤاد السنيورة ولد في زقاق الأميركان التابع لصيدا البلد. «يسكن مكانه اليوم سليم البطش، وهو مؤيّد لأسامة سعد»، تقول الناشطة في ماكينة الحريري الانتخابية هدى. وتتابع: «السنيورة إحراج لنا، لكننا ننتخب حسب ما تقول أم نادر، فنحن فريق العمل».

تنافس شعبي على الزعامة

«يتنافس نواب صيدا على عائلتي الرفاعي وحنقير، والاثنان بدورهما يتنافسان على زعامة البلد»، يقول السمّان الشاب طارق المزين. تتفرع من عائلة الرفاعي عدة زعامات. محمد الرفاعي يؤيد أسامة سعد. «أبو ربيع»، أي خير الرفاعي، يعلن ولاءه لوزيرة التربية بهية الحريري. أما عدنان الرفاعي صاحب «بسطة» القهوة فيحسب على الجماعة الإسلامية.
من جهة موازية، عائلة حنقير كانت تاريخياً متحالفة مع آل سعد. «لكنّ المصالح الشخصية قرّبت فعاليات العائلة من آل الحريري»، يقول المزين. لكنّ الحنين لأيام المقاومة ما زال يراود بعض أفراد آل حنقير. بائع البوظة المعمّر بالسن «أبو زهير» لا ينسى: «أبو معروف، إن الزمان بمثله لبخيل»، يقول قبيل المتابعة، «اليوم علينا أن ننتخب بهية وسعد. السنيورة بعيد، من زمان قلّص ثمن الساعات الإضافية في فوج الإطفاء». أما المزين النسائي الفتي أحمد حنقير فيرى «أن بيت الحريري أتوا بالعمران»، لذلك «سأنتخب الحريري».
من معالم عائلة حنقير «أبو أحمد» المشهور بإيوائه «للمشكلجية» عندما يحتاجون إليه. وكل زعامة محلية من آل الرفاعي أو آل حنقير لديها حلفاء وشلة من 20 إلى 30 شاباً، «يوفر الزعماء الصيداويون لهم ولعدة عائلات حليفة الدعم وشتى المساعدات لاستمالتهم»، يقول المزين.

خدمات لا تنتج إلا الكسل والاتكالية

يرجّح أحمد حنقير فوزاً ساحقاً لآل الحريري، لأنهم «باتوا يستقطبون العديد من شبان البلد جرّاء المعاشات الشهرية، الحصص التموينية، المنح الدراسية والوعود بفرص عمل في السعودية»، إضافة إلى «هدية» إرسال الأهل للحج والعمرة وإعادة تأهيل بيوت البعض. حسان جعفر مثلاً يعمل اليوم لمصلحة آل الحريري، «رغم أني أباً عن جد مع بيت سعد». جعفر أمضى العام المنصرم عاطلاً من العمل، «لم يساعدني الحريري ولا سعد على إيجاد عمل، لكن مؤسسة الحريري رمّمت بيتي وأوقفت النش».
«أسامة سعد يقدم مساعدات عينية، ولو كان بإمكانه لوفّر لنا خدمات أكثر»، يقول المزين القريب من النائب سعد. ويذكر أنه «مع اقتراب موعد الانتخابات تشهد البلد موجة «توظيف» زاخرة بالشباب لحراسة ديرة المرشحين ولصق الصور الانتخابية». لكن «أم رضا» تحذّر من فرص العمل الموقّتة هذه وانتقائية المساعدات وكيفية تقديمها، إذ إنها بنظرها «مثل الشحادة وغير منتجة إلا الكسل والاتكالية».

التباري «الطبّي»
«هذا هو الزعيم الحقيقي»

«هذه الخدمات والأموال لن تؤثّر بابن البلد»، تجزم ربّة المنزل باسمة وردة، وتتابع: «أحب أسامة كرمال بيّو ولأنه قريب من الناس. بسيط يشعر معنا، ولو لم يقدر على فعل الكثير. عندما نريد، نستطيع زيارته على عكس بيت الست، وهذا هو الزعيم الحقيقي». أم رضا لا تكنّ ضغينة للوزيرة بهية الحريري، لكن تزعجها بيروقراطيتها. «بحبها للست بهية»، تقول، «لكن موظفيها يعاملون العالم بفوقية... فقد عانيت شخصياً حين حاولت ملاقاتها حتى صادفتها واشتكيت لها من مماطلة سكرتيرتها الخاصة، فتمكنت من الحصول على موعد منها». تسكت فجأة ثم تقول كأنها تستدرك: «منذ زمن عندما سُئلت بهية الحريري لماذا كانت تُبقي مساعدتها القديمة رغم أنها لم تكن محبوبة، أجابت بأنها كانت تضعها عمداً في الواجهة».

إنقاذ الشباب من... السجن

يتنافس آل سعد وآل الحريري على صعيد مواز من خلال «التسابق على إخراج الشباب من السجن بأسرع وقت ممكن»، يقول أبو علي الذي يحبذ عدم ذكر اسمه الكامل. فالمشاكل غالباً ما تبدأ فردية، ولا تلبث أن تأخذ طابعاً سياسياً وتدخل الوساطات على الخط. مثال على ذلك يوم 12 نيسان عندما لعلع الرصاص في اشتباك بين زُمر مسلّحة ووقع جريح. تدخّل الجيش لفضّ المشكل و«سحب» 11 شاباً من عدة عائلات. بُعيد الحادث، لجأت العائلات إلى زعمائها ليتراجع أهل الجريح وباقي المدّعين عن ادّعاءاتهم. كانت حصيلة الضغوط إطلاق سبيل الشباب في 15 نيسان.

بين القرعة والكباش

أم رضا تروي، وهي تنحني عند المرور في أحد أزقة صيدا البلد لئلا تلامس شرائط الكهرباء المتدلية من السقف رأسها، كيف يسرق الجيران الكهرباء بعضهم من بعض، بالتراضي. «وإن كمش أحدهم لا يبوح عن جاره، أنا أحب هذا التعاون، فالغلاء هو السبب».
«اللي عم يعملوه حرام، صرنا نخاف نتجوّل بالليل»، يقول حسن علي الريش وهو يتّكئ على مكنسته وسنيّه الـ77 مستنداً إلى حائط مدرسة صيدا الوطنية. يجلس الريش على أولى درجات المدرسة ليقول: «بعد الانتخابات بتبيّن القرعة من الكباش». ويكرر لازمة تخص أهل صيدا البلد وهي الترحّم على أيام معروف سعد ثم يكمل: «بس هلأ غير، اللي بياخد إمنا منقلّه يا عمنا، وأنا عارف شو بدي». وعند الاستفسار عما يريده يقول: «أولاً، أريد أن يعمل أولادي»، يقول الريش. ثانياً، «أريد أن تنحسر نسبة التحشيش والزعرنة»، يطالب الريش. ثالثاً، يريد «أن تصلّح المجارير وترخص الكهرباء وأن نتنفس رائحة البحر بدل رائحة جبل النفايات».
يعلن حسن علي الريش نضاله الاجتماعي بصبر. لا ينسى مكنسته ويهم بالتواري متأرجحاً على نغم صادر من فرن مناقيش «البطش» تحت قناطر «بوابة الفوقا». في طريقه، يطمئنني الريش إلى أني سأظل أذكره، «فإن نسيتِ تذكّري الدجاجة شو عليها»، يقول.


12 حياً و20 مختاراً

صيدا القديمة التي يدل اسمها على كثرة السمك في شواطئها، يقارب عدد ناخبيها 43898 من أصل 52900 ناخب صيداوي، حسب لوائح الشطب 2009. الجدير ذكره أن عدد ناخبي صيدا البلد لا يمثّل عدد سكانها، حيث إن العديد من ناخبيها يقيمون في الهلالية وعبرا والوسطاني. رسمياً لدى صيدا القديمة 12 حياً، يتولى مخترتها 20 مختاراً. تكرّ دلال حرب، «أم رضا»، مسبحة الأحياء: «دكرمان، زويتيني، السبيل، السرايا، الشارع، الكشك، الكنان، المسالخية، رجال الأربعين، مار نقولا، مكسر العبد، والنجارية».