أنطوان سعدبعد مضي نحو شهرين على صدور «شرعة العمل السياسي في ضوء تعليم الكنيسة وخصوصية لبنان»، عن اللجنة المشتركة لكنائس لبنان، أجرت أوساط روحية وعلمانية مارونية تقويماً غير رسمي، لما حققته الشرعة حتى الآن. وقد توافقت هذه الأوساط، رغم إقرارها بأنه ليس من شأن النصوص والمبادرات ذات الطابع الفكري الأخلاقي الروحي أن تتمتع بسلطة مادية مباشرة، على أن ما أُنجز ليس باليسير. وأشادت بالإيجابية التي تلقّفت بها القوى السياسية المختلفة هذه الوثيقة، حتى تلك التي كانت على علاقة باردة مع السلطات الكنسية.
ورأت أن من أبرز ما حققته تلك «الانتفاضة الكنسية» المهمة، هو توقف حملة التجني غير المسبوقة على البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، وغيره من الرموز الروحية. فقد وقف أركان الكنائس في لبنان صفّاً واحداً في وجه التطاول على هذه المقامات بطريقة جدية وتحذيرية جعلت القيادات الميّالة إلى التهجمات المشار إليها تكبح جموحها، ولا سيما في ظل انطلاق موسم انتخابي صعب على الجميع، تشير فيه جميع استطلاعات الرأي إلى وجود مناصفة في نيات المقترعين في الدوائر الانتخابية ذات الأغلبية المسيحية، حيث من المتوقع أن تدور المعارك الانتخابية الحقيقية. هذا إذا لم تفشل المساعي لتأليف لوائح ائتلافية في طرابلس.
وفي اعتقاد الأوساط الروحية والعلمانية المارونية، أن ثمة إنجازات مهمة أخرى على مستوى تحوّل هذه الشرعة الكنسية إلى مرجعية لعدد من الشخصيات والتجمعات السياسية، إضافة إلى عدد من المرشحين للانتخابات النيابية المقبلة الذين أعلنوا في برامجهم الانتخابية أنهم يلتزمون مضمونها وينطلقون من المبادئ التي انطوت عليها. وبغضّ النظر عمّا إذا كانوا سيتقيّدون بها، إذا وصلوا إلى الندوة البرلمانية، فإن مجرد الإتيان على ذكرها في برامجهم يشي بالأهمية التي تلقّف بها الرأي العام المسيحي هذه الشرعة، وبالموقع الذي لا تزال تحتله الكنيسة في لبنان لجهة التأثير على اتجاهات الناخب المسيحي.
وبحسب مصادر مطلعة على المطبخ الذي أعدّ «شرعة العمل السياسي في ضوء تعليم الكنيسة وخصوصية لبنان»، سوف تشهد المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية، وبخاصة اعتباراً من النصف الثاني من شهر أيار المقبل، تحركاً كنسياً مكثفاً لتعميم الشرعة. ومن المقرر أن يطلق رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بشارة الراعي حملة إعلامية واسعة على شاشات التلفزيون والإذاعات والصحف لمناقشة هذه الوثيقة، وتعميق المفاهيم التي احتوتها، وبخاصة الديموقراطية التوافقية واللامركزية الإدارية الموسعة وإعادة تقسيم المحافظات، بالاستناد إلى ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني في مؤتمر الطائف سنة 1989. ويبدي القيّمون على هذا التحرك تمسكاً كبيراً بمقتضيات هذا الاتفاق تجنباً لتأويلات قد تهدّد المشاريع الإصلاحية التي يعملون على بلورتها.
ومن الطبيعي أن تأخذ الانتخابات النيابية الحيّز الأكبر من المداولات والتعليقات. ومع تشديد المعنيين بهذا التحرك على أنهم على مسافة واحدة من جميع المرشحين والقوى المتنافسة، فإنهم سوف يشددون في إطلالاتهم الإعلامية وجولاتهم على المناطق والمنتديات وحيثما يتلقون دعوة للحضور والكلام على الشرعة، على أنه يقع على الناخبين المقتنعين بمضمونها أن «يقترعوا بنتيجة اقتناعاتهم وأن يحاسبوا ممثليهم ويسائلونهم في كل ما يختص بالصالح العام، وبما قطعوا من وعود وما قدّموا من مشاريع تنافسية»، وفق ما يستشهد أحد الأساسيين في هذه المسألة بما ورد في ختام الوثيقة نفسها. ويُعرب هذا المسؤول الكنسي عن رغبته في ألا ينغمس السياسيون المتنافسون ووسائل الإعلام التابعة لهم، «ومن الجهتين»، في تأويلات لمضمون هذه الحملة «التثقيفية» واستنتاجات غير واقعية تستند إما إلى أمنيات، وإما إلى خلفيات قديمة. فصحيح أنها تصادف في قلب الموسم الانتخابي، لكنها وُضعت قبله، وهدفها ليس فقط الحاضر، بل بخاصة المستقبل.