أنطوان سعدترتدي المعركة الانتخابية في دائرة الشوف طابعاً خاصاً، لأنها تشذ بالكامل عن منحى المعارك الانتخابية العام في البلاد. حتى إنه يصح القول فيها إنها خارج الزمان الحالي والانقسامات القائمة بين معسكري الأقلية والأكثرية النيابيتين، إذ إنها معركة شوفية تقليدية بامتياز بين الزعامة الجنبلاطية ومن تحالف معها، مقابل محاولات إثبات وجود للقوى الخارجة عليها. ففيما تسعى الأولى، دون صعوبة تُذكر، إلى تأكيد سيطرتها على هذه الدائرة القائمة منذ انتخابات 1972، وحتى ما قبلها بكثير، يستكمل مرشّحو تكتل التغيير والإصلاح وحلفاؤهم، كما المرشحون المنفردون، معركة مواجهة هذه السيطرة المستفيدة من الأحادية القطبية لدى الدروز التي يعززها النائب وليد جنبلاط بتحالفات قوية مع سنّة إقليم الخروب.
سقط الطابع السياسي عن هذه المعركة بغياب أي قطب من قوى الثامن من آذار، وبمواقف جنبلاط من حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وباستمرار ترشّح أكثر من رمز من قوى الرابع عشر من آذار. وفي هذا الإطار، يندرج إحجام الوزير السابق ناجي البستاني عن الترشح للمرة الثانية بعد انتخابات 2005، على رغم أنه يترشح عن أحد المقاعد المارونية في الشوف منذ سنة 1972. فلقد رأى أنّ الانفراج الإقليمي ـــــ الدولي الذي بدأ قبل مدة ووجد ترجمة له في التقارب بين جنبلاط وخصومه الشيعة، لا ينفخ ريحاً ملائمة في شراع كل منحى تنافسي.
إضافة إلى مواقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي التي تنحو باتجاه الوسطية في أفضل الأحوال، يُسقط أكثر من مرشّح شوفي يحمل شعار ثورة الأرز احتكار اللائحة الجنبلاطية المتحالفة مع حزبي القوات اللبنانية والوطنيين الأحرار لهذا الشعار. فالنائب السابق غطّاس خوري كان أول من لاقى لقاء قرنة شهوان إلى اجتماعات البريستول، وشارك في ولادة ما عُرف بـ«انتفاضة الاستقلال الثاني». أما المدير السابق للدبلوماسية العامة في الوكالة الأميركية للتنمية، وليد معلوف، فكان من بين اللبنانيين العاملين في قلب الإدارة الأميركية الجمهورية على إقناعها بتبديل نظرتها إلى لبنان، وكان له موقف بارز من الوجود السوري في لبنان عندما كان مندوب الولايات المتحدة المناوب في الأمم المتحدة سنة 2003. فضلاً عن ذلك، يمثّل مرشّحو التيار الوطني الحر عماد اللائحة المنافسة وصورتها الأساسية، ممن كانت لهم مشاركاتهم الطويلة في صفوفه ضد الهيمنة السورية على البلاد.
في هذه الأثناء، تدور في العديد من الأروقة السياسية أحاديث عن احتمال أن يمرّر الزعيم الجنبلاطي أصواتاً للنائب السابق غطاس خوري على حساب النائب جورج عدوان الذي لم يكن يريده على لائحته. غير أن أوساطاً مطّلعة شوفية تنفي هذا الاحتمال لسببين: إصرار زعيم المختارة على صورته أنه القادر على إنجاح من يريده، والثاني لأن توازنات الأحزاب، وبخاصة المسيحية داخل الأكثرية، تقتضي الحصص المسندة إليها حتى تتمكن من مواجهة التكتل النيابي الكبير نسبياً المتوقع للعماد ميشال عون. ويضيف مراقب آخر سبباً، وهو أن الزعيم الدرزي لا يمكن أن ينظر بارتياح إلى إقدام خوري على الترشّح والبقاء مرشّحاً بعدما تم تأليف لائحة لا تضمّه، وإيجاد حالة قائمة بحد ذاتها في الشوف عموماً، ومنطقة الحرف بالتحديد.
مصادر قريبة من غطاس خوري نقلت عنه لـ«لأخبار» قوله إنه لا يهدف إلى أن يصبح نائباً، بل إلى «استنهاض الواقع المسيحي المأسوي وإعادة الديناميكية إليه، خدمة للدروز والسنّة قبل المسيحيين الذين من دونهم لا حيوية في منطقة الجبل». وعن الضرر الذي سيلحق بلائحة قوى الرابع عشر من آذار إن هو استمر بترشّحه، تجيب هذه المصادر: «من يتحمّل أن يقوم وزراء خدمات يمثّلون 14 آذار بتزفيت الضاحية الجنوبية والنبطية يُفترض به أن يتحمّل ترشيحاً لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على لائحة 14 آذار». وأكدت أن خوري في صدد «استفتاء المسيحيين الشوفيين، فإذا تبيّن أنهم يريدون القوات أو عون، ولن يعطوه النسبة المقبولة من الأصوات، فسينحني أمام إرادتهم وسيتوقف عن التحرك سياسياً في الشوف».