أنطوان سعدليس البيان التوضيحي الذي تلاه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في مؤتمره الصحافي، أول من أمس، ما هدّأ بعض الشيء من استياء الأوساط المارونية، على رغم أن البيان راق النائب السابق صلاح حنين الضحية الدائمة لمواقف الزعيم الجنبلاطي، بل عشرات الاتصالات التي أجرتها النخب الدرزية بمعارفها المارونية، مبدية فيها استياءها البالغ من هذا الهجوم غير المبرر، وعدم موافقتها على مضمونه. وقد مثّل كلام الزعيم الجنبلاطي مادة للنقاش في العديد من الحلقات التي كوّنت مجموعة خلاصات عن الواقع الذي دفعه إليه:
ـــــ إن رئيس الاشتراكي يشعر بالمرارة نتيجة تراجع تأثيره داخل المعادلة اللبنانية الذي تُرجم تراجعاً ملحوظاً في كتلته النيابية واضطراره إلى تقديم تنازلات لم يكن ليقدم عليها في السنوات والظروف الماضية.
ـــــ إن التحالف مع الشيعة ومع سوريا على مدى السنوات الثلاثين المنصرمة مكّنه من تحقيق العديد من المكتسبات المادية والسياسية، من غير أن تكون له أثمان على المستويات السياسية والمالية، فيما التحالف مع القيادات المسيحية كلّفه، بضغط من رئيس تيار المستقبل النائب سعد الدين الحريري، أثماناً على مستوى المقاعد النيابية، وهي ستة بين الشوف وعاليه وبعبدا، إضافة إلى تقديمات الصندوق الوطني للمهجرين التي كان يحتكر طريقة صرفها.
ـــــ شعوره بأن الموارنة قد جرّوه إلى حيث لم يكن يريد، وإلى حيث تبيّن له أنه اتخذ خيارات خاطئة. فمن جهة، تمكّن الرئيس السابق العماد إميل لحود من تحقيق موقع له في سوريا متقدّم عليه إلى حد فرض تمديد ولايته التي كان جنبلاط يعدّ الدقائق لانتهائها، ما أثار غضبه وجعله ينقلب على السوريين. في المقابل، كان موارنة آخرون يحضّونه على قيادة انتفاضة التحرر من سوريا ويصوّرون له أن بإمكانه أن يؤدي دور الزعيم الوطني الذي فشل والده في تحقيقه خلال حرب السنتين 1975ـــــ1976. وفي نهاية الأمر، تبيّن له أنه الخاسر الوحيد في المعادلة اللبنانية من حيث النفوذ والمال، على الرغم من أنه قام بدور، في غاية الأهمية، على مستوى تحرير لبنان من الهيمنة السورية، كان اللبنانيون عموماً والموارنة خصوصاً سيحفظونه له بكثير من التقدير والاحترام.
ـــــ حال الحقد على الموارنة التي تتوارثها الزعامة الجنبلاطية من جيل إلى آخر والتي عبّر عنها رئيس الاشتراكي بالقول في الشريط المسجل: «لا أحد يعرف الموارنة كبيت جنبلاط»، والتي كان والده يعبّر عنها بالكلام عن «مؤامرة الشهابي»، إلى ما سوى ذلك من عبارات استعادها وليد جنبلاط لدى احتلاله قصر بيت الدين سنة 1983. ودليلاً على هذه الفكرة، يؤكد العديد من المؤرخين أن كل الحروب المارونية ـــــ الدرزية، دون استثناء، كان دافعها ومحرّكها زعيم جنبلاطي. فقبل تجمع السلطة على الدروز في يد آل جنبلاط، لا يذكر التاريخ واقعة واحدة بين الدروز والموارنة. أما الكلام عما قام به الأمير بشير الثاني بغريمه بشير جنبلاط، فيقابله على الأقل ما قام به الأمير بأولاد المير يوسف نسيبه عندما فقأ عيونهم.
يضيف الأباتي بولس نعمان، وهو مؤرخ وابن بلدة عين تراز في قضاء عاليه، في أحد مجالسه، في معرض التعبير عن اقتناعه بهذه الفكرة: «من المؤسف أن يبقى هذا الشخص الذكي المتعدد المواهب عائشاً على الحقد. فهو منذ بداية الحرب لا ينفك يُظهر أنه خزّان حقد، ويسعى كل الوقت لكي يستثير لدى الشعب الدرزي الذي يثق به ويتبعه أينما ذهب ـــــ وهذا سبب قوة وليد جنبلاط الحقيقية ـــــ الحقد. بينما الموارنة تجاوزوا كل الاعتداءات ورواسب الماضي ويعيشون بفرح ومحبة ورغبة عميقة في العيش المشترك مع جميع اللبنانيين، وفي مقدّمهم الدروز». وليس أدل على كلام الأباتي من غلاف مجلة المسيرة في عزّ معركة استرجاع السيادة اللبنانية: «جنبلاط آخر الموارنة».
ويستذكر الأباتي نعمان ما أورده في مذكراته التي قرر تأجيل نشرها إلى ما بعد الانتخابات مراعاة لبعض الحساسيات: «كان والدي أوصاني منذ زمن طويل بالحرص على صداقة المير مجيد أرسلان ومساندته انتخابياً، وقال لي: «إنّه متل سنديانة الكنيسة فيها كلّ المنفعة وليس فيها أيّ ضرر».