أنطوان سعدتبدي أوساط بيروتية متابعة لمجريات الاستعدادات الانتخابية في دائرة بيروت الأولى استغرابها لاستمرار المماطلة في بتّ مصير المقعد المخصص للأرمن الكاثوليك لمصلحة مرشح القوات اللبنانية الدكتور ريشار قيومجيان. ذلك أن كلّ تأخير مضرّ باللائحة لأنه يعرّضها للمزيد من الانتقادات من جانب مناصري تكتل التغيير والإصلاح وكوادره، وخاصة اتهامهم تيار المستقبل بمحاولة فرض إرادته على ممثّلي الدوائر المسيحية، كما كانت عليه الحال في انتخابات عامي 2000 و2005، إضافة إلى اتهام القوى المسيحية المتحالفة معه بالتفريط بالمقاعد في هذه الدوائر لمصلحة تيار المستقبل.
فالنائب سيرج طور سركيسيان الذي يشغل هذا المنصب منذ عام ألفين يمثّل الحريرية السياسية بأعنف صورها، على الأقل بالنسبة إلى الغالبية القصوى من الطائفة الأرمنية التي واجهت لوائح الرئيس الراحل رفيق الحريري في دورة عام ألفين في دوائر بيروت الثلاث، وقاطعت الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً في عام 2005. وأسهم النائب المذكور مع زملائه الفائزين على لوائح المستقبل في تقلّص كتلة النواب الأرمن الذي تمتّعت بحضور وازن في الحياة السياسية اللبنانية منذ مطلع الستينيات على الأقل، بانضمامهم إلى كتلة نواب المستقبل، وإحجامهم عن تكوين أية خصوصية أرمنية داخل تيار المستقبل.
ومن شأن إصرار هذا التيار على ترشيح طور سركيسيان أن يؤثر بالتأكيد على اتجاهات الناخب المستقل في دائرة بيروت الأولى، بما يجعله يختار الاقتراع لمصلحة تكتّل التغيير والإصلاح الذي يحمل في جعبته أساساً إنجاز استعادة تقسيم العاصمة وفقاً لقانون 1960.
في المقابل، ليس بإمكان حزب القوات اللبنانية التراجع بدوره عن ترشيح قيومجيان في العاصمة، ولا مقايضته بأي ترشيح في أي دائرة أخرى. فغياب هذا الحزب عن خوض المعركة في قلب المنطقة المسيحية سينال إلى حد كبير من صورة القوات اللبنانية كقوة سياسية مسيحية رئيسية قادرة مستقبلاً على منافسة القوة السياسية المسيحية الأبرز المتمثّلة برئيس تكتّل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي يتحالف مع خصوم تيار المستقبل، إذ إن المقاعد التي قدّمت القوات اللبنانية مرشحين عنها في الدوائر ذات الغالبية المسيحية، باستثناء دائرة بشري، ليست مضمونة، وخسارتها تمثّل ضربة معنوية لهذا الحزب. لذا، ترى القوات أنه يجب عليها أن تزيد من فرص نجاحها في الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد، من خلال زيادة عدد مرشحيها في دوائر ذات غالبية مسيحية، وخاصة تلك التي تشير استطلاعات الرأي إلى وجود أرجحية لقوى الرابع عشر من آذار فيها.
أوساط قريبة من القوات اللبنانية تؤكد أن لا نية في التراجع عن خوض المعركة الانتخابية في العاصمة، وتستغرب أن يكون الموضوع مطروحاً، نظراً إلى عدد من الاعتبارات، منها ما أشير إليه أعلاه، ومنها ما يتصل «بتفاهمات حصلت على مستوى القيادات الأساسية في تجمع قوى الرابع عشر من آذار». وتشير هذه الأوساط إلى أنها تتوقع أن يسحب تيار المستقبل مرشحه عاجلاً أو آجلاً، لأن مصير لائحة الرابع عشر من آذار برمّته سيكون على المحك، لا لأن القوات اللبنانية ستخرج عن التحالف إذا استمر ترشيح النائب سيرج طور سركيسيان، بل لأن الكتلة الناخبة غير الحزبية في دائرة بيروت الأولى لن تتساهل مع إصرار تيار المستقبل على دعم ترشيح النائب المذكور أو حتى تغطية ترشّحه بعباءة الرابع عشر من آذار التي تتمتع بثقل شعبي كبير في هذه الدائرة.
أمام هذه الظروف، يجد رئيس كتلة نواب المستقبل النائب سعد الدين الحريري نفسه في موقع مشابه لموقع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي اضطرته تحالفاته إلى تضحيات كبيرة لم يكن ليقدم عليها لولا عوامل عدة، منها ما هو محلّي وسياسي، ومنها ما هو إقليمي وغير سياسي. بيد أن الفارق هو أن النائب جنبلاط أعطى من كيسه، أي في دوائر يتمتع فيها مع حلفائه بقدرة الحسم انتخابياً دون منازع، فيما التضحية المطلوبة من النائب الحريري ليست من حسابه على الإطلاق.