أنطوان سعدفيما تستعد الماكينات الانتخابية لإطلاق حملاتها لاجتذاب الناخبين، أجرت أكثر من شخصية اجتماعية واقتصادية تقويماً للبرامج والخطاب السياسي المتداول بين المرشحين، وخرجت بانطباع أن آفاق الطبقة السياسية ضيّقة، على وجه الإجمال، ولا تتعدى حدود التنازع على مواقع النفوذ لتوفير منافع لمحازبي كل طرف منها. وأسفت هذه الشخصيات لعدم اشتمال برنامج أي فريق على رؤية استشرافية للمستقبل قائمة على دور لبنان في محيطه والعالم، وقادرة على أن تقود لبنان إلى موقع بارز، وخصوصاً أن قدراته وظروف المنطقة تسمح له بتحقيق إنجازات على مستوى كبير من الأهمية.
وتنطلق هذه الشخصيات من «لائحة السلوك العام في إمارة دبي» التي صدرت منذ حوالى شهر عن المجلس التنفيذي لحكومة دبي، والتي تعكس تبدلاً مهماً في المنطلقات الانفتاحية للإمارة نتيجة الضائقة المالية الكبيرة التي مرّت بها وجعلتها تحتاج إلى تمويل من البنوك، لتشير إلى أن ثمة بداية تحوّل في مسار دبي من شأنه أن يجعل تلك الإمارة أقل جاذبية للشركات العالمية الكبيرة واستثماراتها. وإذا أحسن لبنان التقاط الفرصة، فبمقدوره أن يعود إلى الدور الذي كان يؤديه قبل الحرب سنة 1975، كمدخل للعالم العربي وعاصمة للاقتصاد في منطقتي الشرقين الأدنى والأوسط. وتعرض هذه الشخصيات بعض بنود «لائحة السلوك العام في إمارة دبي «لتأكيد كلامها:
ـــــ يجب على جميع مرتادي المناطق العامة في إمارة دبي ـــــ من مبان رسمية حكومية ومراكز تجارية وشوارع ومطاعم ومحال تجارية وغيرها من الأماكن العامة ـــــ ضرورة ارتداء ملابس مناسبة. وإن ارتداء ثياب غير لائقة قد يعرّض صاحبها لمنعه من دخول تلك الأماكن، إذ يجب أن تكون البناطيل والتنانير ذات أطوال مناسبة. كذلك لا يجوز أن تكشف الثياب الخارجية عن أجزاء من الجسد بشكل غير لائق أو أن تكون شفافة (...) (1.2 الاحتشام)
ـــــ لا يُسمح بالسلوكيات العاطفية بين الجنسين في الأماكن العامة، كتبادل القبلات أو الاحتضان، أو المداعبات، أو التحرش الجنسي، أو معاكسة النساء، أو تشابك الأيدي، (...) (1.4 السلوكيات بين الجنسين) عقوبتها الحبس والإبعاد القضائي.
ـــــ كل من يضبط تحت تأثير الكحول في غير الأماكن المخصصة، ولو بجرعة قليلة، يتعرّض للغرامة المالية أو الحبس (...) ولا يسمح أن يشتريه أحد من المسلمين (...) (2.2 و4 الكحول)
ـــــ يصوم المسلمون شهر رمضان المبارك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. ويُعدّ الأكل والشرب والتدخين في الأماكن العامة طوال هذا الشهر محظوراً، ويتعرض صاحبه للمساءلة القانونية (...) (6.2 شهر رمضان).
تضيف هذه الشخصيات الاجتماعية والاقتصادية البارزة أنها تفتقد في البرامج الانتخابية والخطب السياسية كل حديث عن تطوير الاقتصاد وعن اقتراح تشريعات تهدف إلى إعطاء حوافر للشركات العالمية الكبيرة كي تأتي إلى لبنان وتستثمر فيه، ولا سيما على مستوى تسهيل المعاملات الإدارية وجعلها متوافرة عبر الإنترنت الذي يجب خفض كلفة استعماله، كما سعر التخابر الدولي أضعافاً، وحماية الشركات من «خوّات» كبار رجال السياسة الذي يعرضون شراكتهم على المؤسسات الدولية مقابل تسهيل الأمور لها وحمايتها. هذا فضلاً عن ضرورة أن تلحظ البرامج مشاريع لإجراء تعديل جذري في طريقة عمل وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية اللبنانية المنتشرة في دول العالم وحثّها على أن تتشبّه بغيرها من الدبلوماسيات لجهة سعيها الدائم لتوفير أسواق لمنتجات مصانعها وزراعاتها.
على أية حال، لا تخفي هذه الشخصيات قلقها من التوجه الطارئ على سياسة إمارة دبي، نتيجة عدم ارتياح محيط تلك الإمارة للمنحى الليبرالي السائد فيها، ولو بحدّه الأدنى، وخشيتها أن ينتقل مجهود هذا المحيط بعد دبي إلى لبنان أو إلى غيره من الدول العربية التي يحاول بعض المثقفين فيها إطلاق بدايات حداثة، بما يُذكّر بما كان العديد من المفكّرين المحليين والغربيين يحذّرون منه على مستوى عدم تسامح محيط لبنان مع منحاه الليبرالي، ابتداءً من المنتصف الثاني من الستينيات. فكان ما كان.