أنطوان سعدرغم كل المحاولات الرامية إلى إمرار اقتراح قانون إعادة الجنسية للمنحدرين من أصل لبناني بسلاسة وهدوء ودون استنفارات توقظ الحساسيات المتجذرة في النفوس، ورغم الوعود بمقاربة المسألة بإيجابية، بدا من خلال مناقشات لجنة الإدارة والعدل النيابية يوم الأربعاء الماضي أن ثمة توجهاً لدى فريق الأكثرية للمماطلة والتسويف وابتداع العقبات لتأجيل البحث في موضوع إعادة الجنسية.
فمشروع القانون المطروح، على عكس الانطباع السائد في اللجنة وخارجها في الدوائر التي يجري الحديث فيها عنه، لا يطرح فكرة ثورية جديدة لم تطرح في السابق، بل إنه ـــــ بكل بساطة ـــــ ينسجم، من جهة، مع الروحية والذهنية التي سادت ابتداءً من معاهدة لوزان سنة 1924، وامتداد لها، والتي كان هدفها إعطاء اللبنانيين المهاجرين قبل الحرب العالمية الأولى، وبعدها بقليل، فرصة استعادة حقهم بالجنسية اللبنانية، بعد انهيار السلطنة العثمانية وانتفاء التابعية التركية. ومن جهة ثانية، يسعى المشروع فقط إلى تسهيل الآليات المتبعة حالياً وتبسيطها، كي تحقق الهدف الأساسي الذي وضعت من أجله. فتلك المعاهدة حددت مهلاً وآليات لم يكن تعميمها وإبلاغها لأصحاب الشأن بالأمر السهل، ولا سيما لأولئك المنتشرين في الأميركيتين الشاسعتين في زمن لم تكن فيه وسائل الاتصال متوافرة، وفق ما هي عليه اليوم، لكي يعرفوا بمقررات مؤتمر لوزان وتوابعه، ويختاروا الجنسية اللبنانية عندما دعوا إلى اختيارها.
إذاً، من الزاوية التي تنطلق منها الجهات العاملة على إعادة الجنسية للمنحدرين من أصل لبناني، المسألة هي إعادة إعطاء أولاد وأحفاد من هاجروا حقهم في الجنسية اللبنانية بعدما عجز آباؤهم وأجدادهم عن الحصول عليها، بعدما بات في إمكانهم اختيارها. أما من زاوية من يعارضون اقتراح القانون، فيبدو، من خلال المداولات في لجنة الإدارة والعدل، أنهم مصرون على أمرين: الأول عدم القبول بالبحث في وضع أبناء المهاجرين قبل سنة 1924، والثاني، إقناع الفريق الأول باستبدال اقتراح القانون المقدم من نواب تكتل التغيير والإصلاح بمشروع قانون صادر عن الحكومة، بحجة ممزوجة بشيء من التحذير المبطن، وهي أن المسألة ميثاقية ولا يجوز الاستفادة من الأكثرية المتوافرة ظرفياً في اللجنة لإمرار الاقتراح، وأن «هذا ليس من مصلحتكم على المدى الطويل». وقد تكون خلفية معارضة الاقتراح نابعة من الترسبات الطائفية العائدة من مرحلة الخمسينيات والستينيات عندما كانت القيادات الإسلامية تعارض هذا المنحى خشية طغيان الديموغرافية المسيحية، في ظل انطباع سائد بأن عدد المنحدرين المسيحيين يقدّر بالملايين. علماً بأن الجهات التي تعمل على هذا المشروع تسخر من هذا الانطباع وتكشف عن أن أقصى طموحها، وهو إعادة الجنسية إلى عدد من أبناء اللبنانيين المهاجرين، من شأنه أن يُحسّن التوازن الديموغرافي ويضخ في الحياة العامة اللبنانية طاقات اقتصادية ومالية وثقافية تساهم في عملية نهوض البلاد من كبوتها المتعددة الأوجه.
وترى هذه الجهات أن ما يُطرح من اقتراحات وأفكار يرمي إلى شراء الوقت وتضييعه بانتظار موعد الانتخابات لطيّ صفحة ملف إعادة الجنسية إلى ما بعدها حتى يتحرر النقاش من ضغط الرأي العام المسيحي المتمسك به، في وقت يعلم فيه القاصي والداني أن مصير المعركة الانتخابية المقبلة يتحدد وفق اتجاهات الناخب المسيحي. وتعتقد هذه الأوساط أن ما يطرح عن اقتراع اللبنانيين المقيمين في الخارج وتصويره على أنه مراعاة للمسيحيين، هو بدوره نوع من ذر الرماد في العيون. فمن جهة، لا يعني هذا الاقتراع أن مشكلة الاختلال في التوازن تُحل بهذه الطريقة لأن المطلوب معالجة الأسباب التي أدت إلى هذا الواقع، ومن جهة ثانية، ترى أوساط مطلعة، بعضها علاقته وثيقة برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، أن لا إمكان لتحقيقها إلا إذا جرى تقزيمها أو عقلنتها.
وبما أن جلسة الأربعاء في لجنة الإدارة والعدل لم تكن مشجعة، قررت الجهات المعنية بهذا الملف عدم الاكتفاء بوضع البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير في الصورة والتنسيق معه، بل إشراكه مباشرة بالاتصالات الجارية.