أنطوان سعدينتظر بعض المرشحين المعنيين بالكتلة الوسطية التي أخذت حيّزاً مهماً من النقاش في الأشهر الأخيرة ما يحمله رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان العائد مساء أمس من قمة الدوحة، قبل إعلان الوفاة النهائية لهذا الطرح الذي كان يراد منه كسر حدة التنافس بين معسكري الأكثرية والأقلية النيابيتين. ورغم كل علامات الوفاة التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة، يعتقد هؤلاء أنه «لا يزال هناك ضرورة للاطلاع على ما دار في اللقاء الطويل الذي عقده الرئيس اللبناني مع نظيره السوري بشار الأسد، قبل إعلان هذه الوفاة رسمياً. فقد يكون تم إحداث اختراق ما في الجدار يمكن البنيان عليه للقيام بمحاولة أخيرة في هذا الاتجاه».
ويلتقي هؤلاء المرشحون في تقويمهم مع بعض الأوساط القريبة من رئيس الجمهورية الذي بدأ بالتفكير في كيفية التصدي للتحديات التي تواجه العهد في فترة ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة. وأبرز ما تنكّب عليه هو ملفا تشكيلة الحكومة العتيدة والتعيينات في المفاصل الأساسية في الدولة لاعتقادها أنهما الفرصة الأساسية المتاحة أولاً، لتفادي تكرار تجربة السنوات الأربع المنصرمة وما تخللها من انقسامات انعكست شللاً لبعض مرافق الدولة، وثانياً لإنقاذ عهد الرئيس ميشال سليمان الذي سيكون بدوره مهدداً بالفشل، ما لم يتمكن، بطريقة أو بأخرى، من الإمساك بالعصا من الوسط.
فمشروع الكتلة الوسطية العاملة بالأساس كان يرمي إلى توفير قاعدة برلمانية وسياسية تمكّن رئيس الجمهورية من أداء هذا الدور، غير أن معطيات عديدة وعقبات كثيرة وضعها اللاعبون السياسيون من كل الأطراف، حالت دونه. وفي معرض تقويم سريع لهذه الأوساط لطرح كتلة المستقلين أو الكتلة الوسطية لعدم رغبتها في الدخول في التفاصيل والتطرق للأسماء، تكتفي بالإقرار بأنه طُرح بطريقة خاطئة، ولا سيما من جانب المرشحين المعنيين به، مشيرة إلى أنهم فوتوا فرصة ثمينة كانت البلاد والعهد في أمس الحاجة إليها.
وتكشف الأوساط القريبة من رئيس الجمهورية أن التركيز في موضوع الحكومة العتيدة ينصب على أمرين: عدد الوزراء الذي سوف يعود للرئيس سليمان تسميته، ونوعية الحقائب التي ستسند إليهم. فتجربة الوزراء الثلاثة في الحكومة الحالية غير مشجعة على الإطلاق، فمن جهة، لا أحد يسمع لهم، ويكترث بموقفهم لأنهم ليسوا سوى ثلاثة ولا يقدرون على التأثير سلباً أو إيجاباً على ما يجري التداول به في مجلس الوزراء، وفق ما نقله أكثر من زائر لرئيس الجمهورية، ومن جهة ثانية، حتى في الوزارتين المسندتين إليه، أي الدفاع والداخلية، لا يتمتع الوزيران بحرية الحركة والتصرف وحتى تنفيذ القانون إلا برضى القوى السياسية النافذة في هذه المديرية أو تلك.
لذلك يجري التداول في دوائر القصر الجمهوري بإحدى التشكيلتين الوزاريتين الآتيتين: إما أن يحتفظ رئيس الجمهورية لنفسه بحق تسمية الثلث المعطّل، أي الثلث الزائد واحداً، وفق ما تم التوافق عليه في مداولات مؤتمر الطائف سنة 1989، للتعويض عن نقل صلاحيات رئيس الجمهورية لمجلس الوزراء مجتمعاً، إذا تقرر تأليف حكومة تمثل الأكثرية النيابية بعد الانتخابات، وإما أن يحتفظ لنفسه بعدد مماثل من الوزراء لما سوف يعطى للأقلية النيابية، بعد إعطاء الأكثرية النصف زائداً واحداً، فيما لو تقرر تأليف حكومة ائتلافية تضم الفريقين المتنازعين. أي إذا أعطيت الأكثرية النيابية ستة عشر وزيراً في حكومة ثلاثينية، يتقاسم رئيس الجمهورية الباقي مناصفة مع الأقلية. أما نوعية الحقائب، فلا تضع هذه الدوائر أهمية كبيرة على وزارات الخدمات التي عادة ما يتنازع عليها الأطراف السياسيون لإرضاء ناخبيهم، وإن كانت تسعى إلى إيصال مديرين عامين إلى هذه الوزارات كيلا تصبح مراتع للزبائنية والصفقات. في المقابل، ثمة إصرار على ثلاث حقائب هي الدفاع والداخلية والعدل، للاستمرار في مسؤولية حفظ الأمن، وطمأنة كل الأفرقاء إلى حياد الأجهزة الأمنية، وفق ما هو حاصل، ومحاولة إعادة الاعتبار إلى السلطة القضائية ومنطق الحق والمؤسسات.