داني حداديوحي الحديث مع أحد قادة 14 آذار، ممّن يوصفون بـ«الرؤوس المفكّرة» والمخطّطة في هذا الفريق، أمرين: الأول حتميّة التنافس، كي لا نقول الخلاف، داخل هذا الفريق، وخصوصاً الصفّ المسيحي في ما يتعلّق بالترشيحات النيابيّة، إذ غالباً ما تسمع على لسان شخصيات في 14 آذار عبارات مثل «ماذا يمثّل فلان كي ندعم ترشيحه؟» و«أظهرت الاستطلاعات تفوّقنا عليهم، فلماذا نسحب مرشحنا لمصلحة مرشحهم؟»...
والثاني شعور فريق 14 آذار بخطورة الاستحقاق الانتخابي الذي بلغ مرحلة «حرب الوجود»، وقد عبّرت عن ذلك مواقف لشخصيّات في هذا الفريق، أبرزها كلام النائب وليد جنبلاط على درج بكركي.
لا يجد المسؤول في 14 آذار حرجاً في الكشف عن بعض نقاط الاستراتيجيا المتّبعة لدى الأكثريّة النيابيّة، معترفاً بأنّه مهتمّ بنشر هذه المعلومات في «صحيفة معادية». من هنا يؤكد أن سقوط الورقة الأخيرة من روزنامة العام الحالي سيسبقها حسمٌ نهائي لمرشحي 14 آذار الذين سيبلغ عددهم 128 مرشحاً ليغطّوا كامل مقاعد البرلمان.
ويتحدث المسؤول الأكثري عن اتفاق على تسمية مرشحين حتى في الدوائر المحسوم الفوز فيها للمعارضة، مشيراً إلى أن فريقه السياسي لن يتعامل مع مرشحين «نص نص» بل «على جميع المرشحين الذين سيحصلون على أصوات جمهور 14 آذار أن يعلنوا التزامهم بهذا الفريق وبخياراته السياسيّة، وخصوصاً بالقرارات التي ستتخذها قيادة هذا الفريق في شأن انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب وتأليف حكومة ما بعد الانتخابات».
وإذ يعترف بحدّة التنافس في الانتخابات النيابيّة بحيث سيعجز أيّ من الفريقين عن تحقيق انتصارٍ كبير على الآخر، يؤكّد أن هذا الاستحقاق سيحدّد وجهة السير السياسيّة للبلد، حيث سيوضع الناخبون أمام خيارين: «إما التصويت للبنان الحر والسيّد والمستقلّ الذي جسّدته ثورة الأرز، أو للبنان المحاور والدويلات والعودة إلى الوصاية». يقول كلامه دون أن يبدو مقتنعاً هو نفسه به، وحين يلاحظ الأمر نفسه في عيني سامعه يلجأ إلى نتائج استطلاعات الرأي التي تظهر تقدّم 14 آذار في الكثير من الدوائر، ثم يقدّم قراءة تحليليّة لنتائج هذه الاستطلاعات التي يعتبر أنها ستكون «الحكم» في تسمية المرشحين في الكثير من الدوائر التي تشهد تنافساً داخل البيت السياسي الواحد.
ويعتبر المسؤول الأكثري أن الاعتماد على استطلاعات الرأي بات أساساً في تحديد الخيارات السياسيّة واتباع خطاب سياسي يلقى رواجاً في سوق الانتخابات. إلا أنه يعترف، بلهجة تمتزج فيها السخرية بالفخر، بأن «القادة البارزين في 14 آذار لا يفهمون هذه الاستطلاعات، وأحياناً كثيرة لا يأبهون لنتائجها ولا يحلّلون هذ النتائج»، الأمر الذي يجيده هو ويعتمد عليه.
سيكون الشهر الجاري حاسماً إذاً في تحديد هويّة مرشحي 14 آذار، إلا أن المسؤول في هذا الفريق يلفت إلى أن ثلثي المرشحين اتُّفق عليهم حتى الآن وتبقى مسألة معالجة بعض العقد التي ستتمّ على أساس معايير اتُّفق في شأنها بين قادة الأكثريّة، ولو أن بعض الحسابات قد يغلب أحياناً على المعايير لاعتبارات عدّة. ويستنتج من كلام المسؤول في 14 آذار أن الفترة المقبلة ستشهد ثلاث مراحل انتخابيّة لهذا الفريق، تنتهي المرحلة الأولى في نهاية العام الجاري وتتضمّن نقاشاً داخلياً لبتّ أسماء المرشحين الـ 128، علماً أن الدوائر التي ستأخذ الحيّز الواسع من هذا النقاش هي بعبدا، المتن، كسروان، جبيل، البترون وزحلة، أي الدوائر ذات الغالبيّة الناخبة المسيحيّة. أما المرحلة الثانية فتنتهي في 14 شباط المقبل، ذكرى استشهاد الرئيس الحريري حين سينظم مهرجان ضخم تُستحضر فيه وسائل التعبئة والتجييش، على أن يشهد هذا المهرجان إعلان لائحة 14 آذار الموحدة التي ستخوض الانتخابات. وسيكون على كلٍّ من المرشحين أن يحشد جمهوراً يصفّق له عند إعلان اسمه على منبر ساحة الشهداء.
وستستمر المرحلة الثالثة حتى موعد الانتخابات النيابيّة وستشهد حملة إعلانيّة موحدة وغير مسبوقة. وتشير المعلومات إلى مفاوضات تجرى مع عددٍ من الشركات الإعلانيّة لإعداد هذه الحملة، حيث تقرّر، بناءً على تجارب سابقة، ألا يتمّ الاعتماد على شركة واحدة لتنظيم الحملة الإعلانيّة الانتخابيّة. ويتوقّع أن تركّز الحملة على مسألة طرح خيارين على الناخبين مع استحضار صورٍ لشهداء. ويختم الرجل بالتأكيد أن نتائج هذه الانتخابات ستحدّد مصير فريقه السياسي، فإما ينتصر في الانتخابات ويبقى موحداً ويتقاسم مغانم المناصب المختلفة، وإما يخسر «فينفخت الدفّ» ويتفرّق الحلفاء لينضمّ بعضهم الى الفريقٍ الآخر من منطلق «فتح صفحة جديدة» و«تغليب المصلحة العامة»... وهو أمر يجيده كثيرون في هذا الفريق، وفق شهادة شاهدٍ من أهلهم.