داني حدادوصل فرنجيّة في تلك المرحلة إلى أوج قوّته. تسلّم حقيبة وزارة الداخليّة والبلديات التي بقيت أكثر من عقدٍ لآل المر، بدّل «عدّة» العمل في الداخليّة، أعدّ قانوناً انتخابيّاً يستجيب رغبة المسيحيين وفي طليعتهم بكركي، وكان يستعدّ لخوض معركة انتخابيّة محسوم الفوز فيها، ليس في زغرتا وحسب بل في عددٍ من دوائر الشمال أيضاً.
ولكن ما حصل ظهر يوم 14 شباط 2005 قلب الموازين والحسابات رأساً على عقب. تحوّل وزير الداخليّة القوي إلى متّهم، مشاركةً أو تقصيراً، في اغتيال رفيق الحريري، الذي عرفت علاقته به طلعات ونزلات.
خاض فرنجيّة معارك إقناع الرأي العام بأن التفجير جرى فوق الأرض لا تحتها. صوره التي رُفعت قبل أشهر في أحياء زغرتا الزاويّة احتفاءً بتعيينه «سوبر وزير داخليّة»، انتقلت إلى جمهور 14 آذار إلى جانب صور الرئيس إميل لحود ورؤساء الأجهزة الأمنيّة ليكون واحداً من المجموعة التي اختار السياديّون، القدامى والجدد، محاسبتها على ما ارتكبه «النظام الأمني اللبناني السوري».
إلا أن الرجل الذي أصبح الحليف الأقوى للعماد ميشال عون، وأحد معدّي زيارته الحالية إلى سوريا، عرف كيف يمسك بزمام الأمور من جديد: لم يتراجع عن حلفه التاريخي مع سوريا مقنعاً حتى أشدّ المغالين في التهجّم عليها بأنّه يتعامل مع القيادة السوريّة من موقع الندّ للندّ. ويروي، في هذا المجال، أحد الذين رافقوه في زيارة الرئيس بشار الأسد أواخر العام الماضي، بعيد لقاء وفدٍ من المعارضة مع قائد الجيش، آنذاك، العماد ميشال سليمان اتّسم بالسلبيّة، يروي أنّه صُعق من الأسلوب الذي يتحدّث فيه فرنجيّة مع الأسد، الذي أكّد حينها للرئيس السوري رفضه السير في الاتفاق السوري الفرنسي الذي كُشف عنه في حينه. وأكّدت الشخصيّة المعارضة «أن ما من سياسي لبناني يتكلّم مع الأسد مثلما يفعل فرنجيّة».
أثبت سليمان فرنجيّة، بما لا يقبل الشك، بأنّه الرجل الأقوى في قضاء زغرتا رغم الحملات التي تعرّض لها، لا بل إن نفوذه آخذ في التمدّد في قضاءي البترون والكورة ولو أن النائب القواتي فريد حبيب يؤكّد أن فرنجيّة «ليس زعيماً شمالياً وحدوده السياسية تبدأ في زغرتا وتنتهي في زغرتا، وبالتالي لا تأثير انتخابياً للمردة في قضاء الكورة». ويتماهى موقف حبيب مع ما أكّده قبل أسابيع رئيس الهيئة التنفيذيّة في القوات اللبنانيّة سمير جعجع، لوفد الرابطة المارونيّة، حين رفض المساواة بينه وبين فرنجيّة، مطالباً بحضور شخصيّة سياسيّة «من وزن» فرنجيّة مثل النائب نايلة معوض في جلسة المصالحة التي يجري الإعداد لها، والتي يبدو أنّها لن تجري.
من هنا، لم يجد فرنجيّة حرجاً في أن يكون السبّاق إلى إعلان لائحته الانتخابيّة في زغرتا في خطوة حملت أكثر من تفسير. فقد عدّها البعض قطعاً للطريق على مساعٍ قام بها صديق مشترك بين النائب سعد الحريري وفرنجيّة للتوصّل الى «اتفاق انتخابي» بين الرجلين يتضمّن ترك مقعدٍ شاغر على لائحة فرنجيّة في زغرتا. ومن التفسيرات التي أطلقت أيضاً محاولته إقفال الباب أمام طلب العماد عون ترشيح فايز كرم، فيما فرنجيّة يصرّ على ترشيح سليم كرم لحسابات زغرتاويّة وعائليّة، وقد جاء إعلانه غير الرسمي للائحته من منزل سليم كرم بالذات.
مرّت العلاقة بين البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير وسليمان فرنجيّة بمراحل صعود نادرة وهبوطٍ كثيرة. بدأت أولى حملات الثاني على الأول بعيد انتخابات 1992 حين طعن صفير بشرعيّة النواب المسيحيين «المنتخبين في ظلّ وجود جيشٍ غريب على الأراضي اللبنانيّة». فكان فرنجيّة يقاطع بكركي لسنوات، ثم يعود لزيارتها بناءً على وساطات وتعهّدات بصدور مواقف ليّنة عن سيّدها، وقد حاول السياسي الشاب إقناع بطريرك طائفته مراراً بزيارة سوريا، ولم يأته إلّا جواب «سندرس الأمر».
لكن فرنجيّة، كما ينقل بعض المقرّبين منه، «درس» علاقته بصفير جيّداً، فوجد أن معارضته تتيح له الحصول على «مكاسب أكبر»، علماً أن علاقته لم تنقطع مع بعض المطارنة وأحدهم تفصل أمتار قليلة بين مكتب البطريرك ومكتبه.
اكتفى فرنجيّة بمناداة أنصاره له «إنت البطرك يا سليمان» مؤكّداً لكثيرين أنّه يئس من محاولة استرضاء صفير «الذي يقدّم إلي حين أخاصمه أكثر ممّا يفعل حين أراضيه».
لكن عودة فرنجيّة إلى الصرح الذي لم يزره منذ أكثر من سنة باتت مسألة محسومة، وقد جرى التمهيد لها في زيارة وفد من المردة لبكركي سمع خلالها أعضاء الوفد «كلاماً إيجابيّاً».