الهدف الاستراتيجي لانتفاضة العشائر: كيان سياسي مستقل■ لا مانع من التحالف مع تيّار المستقبل إذا أراد التعاون معنا
■ تربطنا صداقة مع قوى معارضة ومصلحة العشائر أوّلاً

تمثّل العشائر العربية المنتشرة في طول سهل البقاع الأوسط وعرضه قوة ناخبة أساسية لا يستهان بها، بما يقارب 12 ألف صوت. لكنّ هذه القوة «انتفضت» أخيراً لتوحيد الصف أولاً ولخوض الانتخابات النيابية المقبلة بمرشح يمثّلها في الندوة البرلمانية ثانياً. انتفاضة العشائر التي بدأت تتجه صعوداً نحو «تقرير مصيرها ومسارها» الانتخابيين، تقلق قوى سياسية ترى في الحركة العشائرية النوعية «مؤامرة» تستهدفها

عفيف دياب ـ نقولا أبو رجيلي
تدخل إلى ديوانية «الربعة» في العاصمة السياسية الجديدة للعشائر العربية المنتشرة في سهل البقاع في قرية المشرفة عند تخوم الحدود اللبنانية ـــــ السورية قرب بلدة عنجر. جميع من في الاجتماع منهمك في أحاديث جانبية وأخبار العشائر في البقاع وسوريا على وقع «قرقعة» النراجيل المختلفة الأحجام والأشكال والألوان، و«رنين» فناجين القهوة العربية التي لا تتعب من «الدوران» على رواد المجلس الذين يلتحفون بعباءات الصوف والكوفيات المرقّطة بالأبيض والأحمر. تأخذ مكاناً في المجلس وتبدأ بالبحث عن وجه تعرفه لكسر حاجز صمتك الغريب عن جمع أخذ يلمّ شمله رويداً رويداً استعداداً للآتي القريب، وتقرير المصير السياسي لوجودهم التاريخي على أرض سهل البقاع الذي بدأ يقلق قوى تعتبر أبناء العشائر العربية في البقاع وامتداداتهم في المناطق الأخرى في «الجيبة» أو ملكها الحصري، ينفذون تعليماتها من دون نقاش أو حتى مجرد إبداء الرأي في شأن سياسي أو غير ذلك.
يتوقف الحوار في «الديوانية» فجأة. يقف الجميع لاستقبال وجهاء بعض العشائر وعائلاتها وأفخاذها الذين وصلوا من مختلف أماكن وجودهم في البقاع. تدور فناجين القهوة العربية من جديد. يعود الهدوء إلى المجلس وينتظم الحوار بعدما كان موزّعاً على قضايا «عشائرية». يقف «الأستاذ» هود مخاطباً الجميع، ويدعمه رفيقه «الأستاذ» رفعت قبل أن يتسلّم الحديث علي المولى، و«لن نبقى أسرى تعليمات هذا أو ذاك. نحن لنا وجودنا التاريخي، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، وقرارنا بيدنا وليس بيد أحد». ويتابع المولى بلهجته البدوية: «يا هالربع، إحنا نجتمع الآن لنقرر ترشيح واحد منا للانتخابات النيابية باسم كل العشائر العربية في البقاع. وإحنا مش مع حدا ضد حدا. الكل أصحابنا وما إلنا مشكل مع حد، والقرار بيدكم».
نحن لسنا ضد أحد. موقف ترجمته بدت واضحة من خلال الصور المنتشرة في ديوانية قرية المشرفة، أو ديوانية الشيخ علي ابن شيخ عرب الموالي. فصورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري خلال زيارته للديوانية قبل استشهاده بسنة لا تبعد سوى بضعة سنتيمرات عن صورة رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون الذي له أنصاره بين أبناء العشائر العربية في البقاع، فيما صورة الوزير السابق عبد الرحيم مراد تتربع على طاولة مجاورة لمكان صورة الحريري التي تقابلها أيضاً صورة حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. و«الأخ أبو حسين مراد هو من عرّف الرئيس الحريري إلينا وتعرّفنا إليه»، يقول المولى الذي كان يتحدث عن أصحاب الصور المنتشرة في الديوانية، و«الجنرال ميشال عون تربطنا به صداقة، وهو يقدّر دورنا ووجودنا، وقد أرسل لنا صورته موقّعة منه تعبيراً عن متانة علاقتنا. نحن هنا لا نريد من أحد أن يلغينا أو يضع وجودنا على الهامش. كل ما نطلبه من مختلف القوى السياسية في لبنان الاعتراف بنا كحالة سياسية واجتماعية لها دورها على مختلف الأصعدة في لبنان. فالرئيس الشهيد الحريري كان يعرف معنى قيمتنا السياسية في لبنان والعالم العربي، والجنرال عون لم يتعاط معنا يوماً من زاوية عنصرية أو فوقية كما يفعل بعض الشخصيات في لبنان الذين يكيلون لنا الاتهامات العشوائية، فقط لأننا من العشائر العربية، أو أننا مجرد أرقام صغيرة في صناديق الاقتراع لا قيمة لها في الحياة السياسية اللبنانية».

انتفاضة العشائر وتقرير المصير

«انتفاضة» العشائر العربية، كما يسمّيها بعض مشايخ العشائر في سهل البقاع، على الواقع السياسي العام وواقعها السياسي أولاً، يتحدث عنها بإسهاب المولى الذي انتخب أخيراً نائباً لرئيس الاتحاد الوطني للفلاحين اللبنانيين، ويقول: «لقد بدأنا الخطوة الأولى بتجميع قوانا في البقاع الأوسط لتكون لنا كلمة في الانتخابات النيابية المقبلة. ونحن كعشائر عربية، ندرس جدّياً إمكان ترشيح أحدنا على المقعد السنّي في دائرة زحلة، وبدأنا منذ شهرين بلقاء جميع الأطراف المؤثرة في موقف العشائر العربية العام، من مشايخ ومثقفين وجمعيات أهلية، واتفق الجميع مبدئياً على ترشيح من يجد في نفسه المؤهلات والقدرة على خوض الانتخابات، وهذا القرار اتخذ بالإجماع، ولا رجوع عنه».
كلام المولى (قد يكون مرشح العشائر في زحلة) يؤكده أيضاً مدير مدرسة الفاعور رفعت النمر، ويقول إنه من «حق العشائر العربية قي لبنان أن تقرر مصيرها ومسارها بنفسها، وبالأخص أبناؤها المقيمون في البقاع الأوسط، ولا يمكن أحداً بعد اليوم أن يبعدنا عن المعادلة السياسية اللبنانية. فمن أبسط حقوقنا أن نتمثّل في الندوة البرلمانية أسوة بمكوّنات الشعب اللبناني الأخرى». ويضيف النمر أن هذا التمثيل «لن يتحقق إلا بتوحيد كلمة العشائر على جميع الأراضي اللبنانية، وهذا ما بدأنا به. وقريباً سيترجم ذلك بموقف سياسي إجماعي وواضح».

الأهداف الاستراتيجية

ولكن ما هو الهدف «الاستراتيجي» الكامن وراء توحيد كلمة العشائر على أبواب الانتخابات النيابية؟ يجيب ناظر مدرسة الفاعور هود الطعيمي بالقول إن هنالك نواحي وأهدافاً عدة تكمن وراء «انتفاضة» العشائر في البقاع الأوسط. و«الهدف الاستراتيجي من توحيد كلمتنا وموقفنا هو تصويب عدة أمور أصبحت عبئاً عليناً». ويعدّد الطعيمي أبرز هذه القضايا أو الأهداف: «إيجاد كيان سياسي واجتماعي وثقافي يحفظ كرامة هذه الناس، وتغيير نظرة الكثيرين الدونية نحونا، ولا سيما من الذين اعتادوا التعامل معنا بفوقية أو بأننا مجرد أرقام في صناديق الاقتراع. منع استغلال الأوضاع المعيشية لبعض أبناء العشائر بغية مصادرة قرارهم السياسي. تأليف نواة تمهّد لإنشاء تيار سياسي عروبي مستقل، أول أهدافه سيكون المشاركة بقوة في الحياة السياسية اللبنانية من دون التخلّي عن بعض العادات والتقاليد العربية الأصيلة». أهداف تحرك العشائر العربية في البقاع التي تحدث عنها الطعيمي يؤكدها أيضاً شيخ عشيرة عرب الحروك الكبرى وليد الفياض، ويقول إن «هدفنا الأول توحيد كلمتنا، وقد قطعنا شوطاً كبيراً في تنظيم بيتنا الداخلي، وسيصدم جميع القوى السياسية التي تعتبرنا مجرد أرقام وعشائر منقسمة على نفسها. فالعشائر العربية في البقاع الأوسط لها مصالحها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا يمكن بعد اليوم لأيّ كان أن يشطبنا من المعادلة. فنحن هنا القوة الناخبة الأكبر (داخل الطائفة السنّية) وتربطنا صداقات سياسية مع الجميع، وحركتنا ليست موجهة ضد أحد، بل هي أوّلاً وأخيراً من أجل مصالح العشائر الاستراتيجية الساعية إلى الاندماج بقوة في المجتمع اللبناني وحياته السياسية، لأنها جزء أساس منهما، ونحن هنا منذ سنة 1812 قدمنا الغالي والنفيس من أجل لبنان».

مؤامرة لتقسيم العشائر؟

تحرّك العشائر العربية في البقاع الأوسط والاستعدادات الجارية لتحركات مماثلة في عكار وفي وادي خالد تحديداً، وفي جبل لبنان وبيروت، بدأت قوى سياسية موالية وفي المعارضة السابقة تضعهما في خانة «المؤامرة»، وأن أيادي خفية تقف وراء هذا التحرك المفاجئ بتوقيته وأهدافه. ويقول أحد المسؤولين في تيار موال إن تحرك العشائر العربية الأخير: «تقف وراءه سوريا التي تهدف إلى تشتيت الصوت السنّي في دائرة زحلة، بعدما لمست مدى قدرة 14 آذار على تحقيق خرق نوعي في الانتخابات المقبلة هنا». ويضيف أن «الاستخبارات السورية تعمل جاهدة على تقسيم العشائر وتشتيت أصواتهم لأنهم قوة ناخبة تناصر 14 آذار، وتعتقد (الاستخبارات السورية) أن حركة تقسيم العشائر وترشيح أحد أبنائها خطوة مهمة تضعف تيار المستقبل، ونحن نعلم مدى وعي أهلنا في العشائر الذين يرفضون أن يكونوا أداة بيد هذا الطرف الخارجي أو ذاك الداخلي».
هذا الكلام «المستقبلي» الذي يتزامن مع خطوات ميدانية داخل مجتمع العشائر لمواجهة «المؤامرة» بدأ يعطي مفعوله «الاعتراضي» داخل بعض أفخاذ العشائر. ويقول الشيخ قاسم العسكر، أحد وجهاء عشيرة عرب العيدين في البقاع الغربي، إن العشائر «ليست ضد مبدأ الترشيح بالمطلق، ولكن الظروف الحالية لا تسمح لنا بذلك، ويمكن تأجيل الأمر إلى المرحلة الانتخابية المقبله»، محذّراً من «تداعيات التصرفات العشوائية التي يقوم بها البعض»، ومبدياً تخوّفه من ردود فعل سلبية «قد تؤثر على أوضاع العشائر العربية من جميع النواحي». ويدعو الشيخ العسكر العشائر إلى «رص الصفوف ووحدة الكلمة وعدم الانجرار وراء الطامحين لتغيير الخط الذي تنتهجه الغالبية العظمى من العشائر»، معلناً أن هنالك «جهوداً حثيثة لإنشاء تيار عروبي داخل مجتمع العشائر».

العلاقة الملتبسة مع المستقبل والمعارضة

هذا الكلام يرفضه بشدة السيد علي المولى ويقول: «لا يمكن أحداً أن يتهمنا بأننا مع هذا أو ذاك، أو أن العشائر تنفّذ تعليمات خارجية. علاقة العشائر جيدة وطيبة مع تيار المستقبل، وطموحنا أن نكون معاً في الانتخابات النيابية المقبلة، ونحن في صدد تأليف وفد من وجهاء العشائر للقاء الشيخ سعد الحريري الذي هو الأقرب إلينا، وسنطرح معه كل هواجسنا وأهداف مشروعنا». ويؤكد الشيخ وليد الفياض كلام المولى، ويكشف أن التوجه العام عند العشائر هو التحالف مع تيار المستقبل، «لانه يحظى بنسبة كبيرة من التعاطف. ولكن التعاون يتوقف على مدى تجاوب المستقبل مع مشروعنا، ونحن بالتأكيد سنعمل على مراعاة مصالح العشائر أولاً، بعيداً عن الحسابات السياسية أو الانتخابية». ويقول هود الطعيمي في هذا الصدد إن العشائر متعاطفة مع المستقبل و«لكن الخيارات أمامنا مفتوحة إذا لم يتبنَّ مرشحنا».
التحالف الانتخابي مع تيار المستقبل المرهون بموقف الأخير من قرار العشائر العربية خوض الانتخابات النيابية في دائرة زحلة والبقاع الأوسط، لا يعني وجود موقف ضد قوى أساسية في «المعارضة»، يقول المولى، الذي يؤكد أن للعشائر أصدقاء كثراً في «المعارضة»، و«تربطنا علاقة وثيقة بالجنرال ميشال عون، واتصالاتنا به لم تنقطع، كما تربطنا صداقة متينة مع الوزير (السابق) عبد الرحيم مراد وأطراف أخرى في «المعارضة»، ولكنّ التحالف الانتخابي معها سابق لأوانه، وهو قيد الدرس».

تواصل عشائري ودعم عربي

تحرّك العشائر العربية في سهل البقاع وما سيتبعه من تحركات مماثلة في مناطق لبنانية أخرى، لقي صدى إيجابياً عند بعض العشائر العربية المنتشرة في سوريا والمملكة العربية السعودية، حيث استدعى الأمر حضور الأمير نوري الشعلان من عشيرة الشعلان في السعودية لدعم هذا التحرك على أرض سهل البقاع، ورافقه في الزيارة وفد من مشايخ العشائر العربية ووجهائها في سوريا، على رأسهم الشيخ عبد الإله الملحم (نائب سابق في البرلمان السوري ويتخذ من السعودية مقرّ إقامته، ومن المقرر أن يعود إلى سوريا نهائياً) هذا الدعم من عشائر عربية قد يتطور في مقبل الأيام من خلال زيارات أخرى سيقوم بها وجهاء عشائر كبرى في سوريا والعراق والسعودية والإمارات العربية. وأوضح الملحم خلال «زيارة الدعم» أن تحرك العشائر في البقاع «جاء في توقيته»، لافتاً إلى «وجوب توفير كل الدعم المطلوب لإيصال أحد أبنائنا إلى مجلس النواب اللبناني»، ومشدداً على أهمية «وحدة العشائر العربية بهدف الوصول إلى الغاية المنشودة»، وكاشفاً عن فشل الاتصالات والمساعي لتقريب وجهات النظر مع تيار المستقبل وعقد لقاء مع النائب سعد الحريري بعد رفض الأخير استقبال وفد يضم 500 شخص من العشائر العربية في البقاع ليبحثوا معه تبنّي مرشحهم في الانتخابات النيابية المقبلة.

محاولة اغتيال الشيخ عبد الإله الملحم؟

قال الشيخ عبد الإله الملحم إن موكبه تعرّض قرب قرية الدكوة في البقاع الغربي لإطلاق رصاص على يد مجهولين، حيث أصيب جيب الهامر الذي كان يستقلّه مع علي المولى برصاصتين. وأوضح المولى لـ«الأخبار» أن مسلّحين يأتمرون برأي أحد وجهاء إحدى العشائر القاطنة في البقاع الغربي أطلقوا الرصاص على موكب الملحم خلال توجّهه إلى الدكوة للاجتماع بوجهاء عشائر يقطنون في المنطقة للبحث معهم في سبل تقرير موقعهم السياسي. وأضاف أن شكوى قدمت ضد مجهولين في مخفر بيادر العدس التابع لقوى الأمن الداخلي.


الحريري والحريريّة

سعر النائب
ماكينة القومي
العشائر في المجلس النيابي

أكبر العشائر ويبلغ عدد العشائر العربية المقيمة في مختلف قرى قضاء زحلة 16 عشيرة، قيود 11 منها في قرى القضاء بعدما نال معظمها الجنسية اللبنانية. ويقدر هود طعيمة ورفعت النمر اللذان أعدّا دراسة شاملة عن العشائر العربية في البقاع عدد ناخبي العشائر في دائرة زحلة والبقاع الأوسط بنحو 12 ألفاً، يقترع منهم ما نسبته 80%. وتشير الدراسة إلى أن نحو 2800 ناخب ينتشرون في قرى البقاع الغربي وراشيا، فيما هناك نحو 500 ناخب من النور (العرب الرحل) يقيمون في الدامور والجية ويقترعون في بر الياس وقب الياس في البقاع الأوسط، إضافة إلى نحو 500 ناخب كردي يقترعون في مجدل عنجر. وتلفت الدراسة إلى أن العشائر العربية المقيمة في البقاع استطاعت تقرير مصير عشرات المجالس البلدية في البقاع الأوسط من حيث الاقتراع والترشح، إذ أوصلت نائباً لرئيس بلدية في تعنايل (من عرب الفضل) وعضو مجلس بلدية في سعدنايل. وتضيف الدراسة أن العشائر العربية أصبحت «بيضة القبان» في بلدات بقاعية كبرى مثل بر الياس وقب الياس وسعدنايل وكفرزبد وتربل.