داني حدادميشال عون في سوريا! من كان يحلم بمثل هذا الحدث قبل أعوام؟ إلّا أن الزيارة باتت أمراً واقعاً، والإعداد لها الذي انطلق منذ أكثر من عامين لم يتعدّ دائرة ضيّقة من الأشخاص واتّسم بسريّة لا تزال مستمرة، وتتعلّق خصوصاً بموعد حدوثها الذي سيدخل مرحلة العدّ العكسي في مطلع كانون الأول المقبل، على ألا يتعدّى موعد انطلاق طائرة عون من بيروت إلى دمشق الأسبوع الأول من الشهر المقبل.
وعلم في هذا الإطار أن الوزير السابق ميشال سماحة تولّى تنسيق الزيارة بين الطرفين، وعقد لهذه الغاية سلسلة لقاءات مع عون، علماً أن مرحلة البحث الجدّي في الزيارة بدأت بعيد توقيع وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، واتخذت الدعوة السوريّة إلى عون طابعاً علنيّاً من خلال تصريحات مسؤولين سوريين أشادوا مراراً بـ«الخصم الشريف». وكان لافتاً أن رئيس تيّار المردة سليمان فرنجيّة لم يتدخّل في الإعداد للزيارة ولو أنّه شجع الطرفين على إتمامها.
وبلغ برنامج زيارة رئيس تكتل التغيير والإصلاح إلى سوريا، التي خاض في 14 آذار 1989 حرب تحرير ضدّها، مراحله النهائيّة، وبات شبه مكتمل في تفاصيله، حيث تبدو خطوات عون على الأراضي السوريّة مدروسة في الزمان والمكان، علماً أن السلطات السوريّة باشرت إجراءات عمليّة استعداداً لهذه الزيارة، وخصوصاً على صعيد إعداد المواقع التي سيزورها عون، من الناحيتين الأمنيّة واللوجستيّة.
وتتحدث مصادر مطلعة لـ«الأخبار» عن أن عون لن يكون «العوني» الأول الذي ستطأ قدماه أرض دمشق بل سيسبقه إلى هناك وفد إعلامي وآخر من المقرّبين لإتمام التنسيق مع الجهات السورية والاطّلاع على مكان إقامة عون والوفد المرافق له، الذي سيتجاوز عدده عشرة أشخاص، بينهم نواب ومسؤولون في التيار الوطني الحر، عرف منهم المنسّق العام بيار رفول.
أما البرنامج، فسيتضمّن لقاءات وزيارات تملأ الأسبوع الذي سيمضيه الجنرال في عاصمة الأمويين، وأهمّها اللقاء العلني الذي سيعقده مع الرئيس السوري بشار الأسد، إضافة إلى لقاء آخر مع نائب الرئيس فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم، إضافةً إلى عدد كبير من المسؤولين والشخصيات السورية.
ولن يقتصر برنامج الزيارة على الشقّ السياسي الرسمي بل سيشهد نشاطاً شعبيّاً وزيارات إلى مواقع دينيّة وتاريخيّة. ومن أبرز هذه المواقع «الطريق المستقيم» الذي يصل ما بين باب الجابية وباب شرقي في دمشق وقد سلكه القديس بولس الذي خصّصت الكنيسة الكاثوليكية هذا العام للاحتفال بذكرى ميلاده الألفين. على هذا الطريق سيسير عون «على خطى القديس بولس» فيخترق الحشود التي ستستقبله في هذه المنطقة التي تصنّف شعبيّة.
كذلك سيزور عون قبر مؤسس الطائفة المارونية القديس مارون، الذي توفي عام 410، علماً أن مفتي سوريا الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون أعلن قبل أشهر أنّه وجّه دعوات إلى البطريرك مار نصر الله بطرس صفير لزيارة القبر إلّا أنّه لم يستجبها.
وتتضمّن جولة عون على المواقع الدينيّة زيارة إلى الجامع الأموي في دمشق، الذي سبق أن زاره البابا يوحنا بولس الثاني عام 2001، وسيقف أمام قبر القديس يوحنا المعمدان الموجود في الجامع، إضافةً إلى قبر القائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي وأول مئذنة في الإسلام. ويتوقّع أن يلقي كلمة يتناول فيها الأهمية الدينيّة والتاريخيّة لهذا المقام الذي يقع في المدينة القديمة ويجمع حضارات مختلفة منذ القرن الميلادي الأول.
وسيعقد عون لقاءً شعبيّاً مع أبناء الطائفة المارونيّة في سوريا بحضور ممثلين عن مختلف الطوائف المسيحيّة بعد قدّاس يشارك فيه، حيث سيؤكّد على فتح صفحة جديدة في العلاقات مع سوريا التي تخلّلتها في الفترة الماضية أخطاء كثيرة، وخصوصاً من جانب سوريا تجاه لبنان.
وعلم أن ثمّة حماسة كبيرة، ولا سيما لدى المسيحيين السوريين، لهذه الزيارة، إذ بدأوا الإعداد لاستقبال «الزائر الذي تصاعدت شعبيّته سريعاً لدى المواطنين السوريين»، والذي يعترف المسؤولون في دمشق بأنّهم أساؤوا التعامل معه في الماضي. وسيتناول عون في لقاءاته في العاصمة السوريّة عدداً من القضايا التي تهمّ البلدين، ولن يكون موضوع المفقودين والمعتقلين اللبنانيين غائباً عن زيارته، رغم إصرار عون على إبقاء هذا الملف في إطاره الرسمي الذي يلقى اهتمام رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان.
من جهة أخرى، كشف نائب في الأكثريّة لـ«الأخبار» عن «انعكاس لا بدّ منه لزيارة عون إلى سوريا على مجريات التحضير للانتخابات النيابيّة»، جازماً بأن عون «سيخسر انتخابيّاً بسبب الزيارة». إلا أنّه لم ينفِ حقيقة أن عون سيعوّض، من خلال الأسبوع الذي سيمضيه على الأراضي السوريّة، «بالجملة ما سيخسره بالمفرق»، معتبراً أن تحالفات قد تتغيّر جرّاء الزيارة.