داني حدادنقل مصدر دبلوماسي مقرّب من شخصية عربية بارزة زارت دمشق بعيداً عن الأضواء أجواءً جديدة تخيّم سياسياً على عاصمة الأمويين. ويشير هذا المصدر إلى ارتياح لدى القيادة السورية للمتغيّرات الدولية التي انعكست رفعاً للحصار الذي فُرض طوال ثلاثة أعوام على سوريا، كاشفاً عن نهاية سياسة «العصا والجزرة» التي استخدمتها إدارة جورج بوش في الأعوام الأخيرة محاولة تطويع سوريا.
ويسترجع المصدر الدبلوماسي ما سمعته الشخصية العربية نفسها من مرجعيّة سوريّة كبيرة مطلع صيف عام 2007، حين أجابت المرجعيّة عن سؤال حول وضع لبنان والانتخابات الرئاسية فيه بما يأتي: لن يُنتخب رئيس جديد للجمهورية في الموعد الدستوري، بل سيتأخر الانتخاب إلى ما بعد نيسان 2008 عندما تدخل إدارة جورج بوش في فترة العدّ العكسي لنهاية الولاية الرئاسية الثانية، فتصبح واشنطن أكثر استعداداً للتخلي عن العصا المرفوعة فوق رأس السلطة السوريّة ومباشرة اتصالات مباشرة أو غير مباشرة مع هذه السلطة. «وهكذا كان» يقول المصدر الدبلوماسي.
وتلتقي هذه المعلومات مع بعض التقارير الدبلوماسية التي تنشرها الصحف في الولايات المتحدة الأميركية ومع ما كشفه سياسي لبناني استناداً إلى معلومات تلقّاها من جهة خارجية عن تطوّر جديد ستشهده العلاقة بين واشنطن ودمشق في الأسابيع المقبلة، في ظلّ وجود توجّه لدى الفريقين المتنافسين في الانتخابات الأميركية لـ«إعادة صياغة علاقة واضحة مع سوريا تستوحي تجارب الماضي».
ويشير السياسي اللبناني إلى أن الجهة الخارجية نفسها توقّعت أمامه ألا يحمل مؤتمر الحوار، الذي تأجّلت جلسته الثانية حتى الخامس من تشرين الثاني المقبل، نتائج تذكر على صعيد ما سمّي «الاستراتيجيا الدفاعية»، بل إن جلسات المؤتمر ستشهد تأجيلاً تلو آخر حتى آذار، حين يرجّح أن تنطلق المفاوضات السورية ـــــ الإسرائيلية المباشرة. وسيكون ملف سلاح حزب الله موضوعاً أساسياً على طاولة المفاوضات التي ستستقبلها تركيا بعيداً عن طاولة حوار بعبدا التي سيكتفي الجالسون حولها بترجمة نتائج ما يُبحَث بين شريكَي الحدود البريّة مع لبنان... مع ما في كل ذلك من مرارة، إذا صدّقنا الكلام.
ولكن، ماذا عن تأثير ذلك كلّه على الوضع اللبناني؟
يقول بعض المعلومات إن تأثيرات «التحوّل» الأوروبي ثم الأميركي باتجاه سوريا ستكون واضحة على الملف اللبناني لناحيتين:
الأولى، موضوع سلاح حزب الله الذي لم يعد حاضراً كما في السابق في أولوية التصريحات الأميركية في ظلّ توافر معلومات عن محاولات أميركية، عبر قنوات الاتصال بسوريا، للتواصل مع حزب الله وحركة حماس. علماً أن ملفَّي الحزب والحركة هما الورقتان الأكثر فاعلية في يد الدبلوماسية السورية في إطار اتصالاتها باسرائيل عبر الوسيط التركي. والثانية: السياسة الداخلية اللبنانية واستحقاقها الانتخابي النيابي المقبل. فالانفراج في العلاقات الأميركية ـــــ السورية بدأت تظهر علاماته بوضوح على وجوه قادة 14 آذار الذين بدت تصريحاتهم الأخيرة أقلّ حدّة بكثير حيال سوريا ورئيسها، وقد تراجع بعضهم عن تصريحات سابقة له في ما يتعلّق بالحشود العسكرية على الحدود اللبنانية الشمالية.
ويعترف أحد سياسيي «الصف الثاني» في 14 آذار بأنّ فريقه السياسي يشهد حالياً مرحلة هبوط يخشى أن تستمرّ حتى الاستحقاق الانتخابي، مشيراً إلى «أن مجرد إعلان عقد لقاءات بين مسؤولين أميركيين وسوريين وحشد جنودٍ على الحدود مع لبنان أدى إلى سعي عددٍ من «الرفاق» في 14 آذار إلى إعادة وصل ما انقطع بينهم وبين نظام الأسد». وترى مصادر مطلعة أنّه لا يمكن عزل ما يجري إقليمياً من «عودة» لسوريا، عن الحركة السياسية في لبنان التي تتركز حالياً على الانتخابات النيابية التي ستكون نتائجها الحدّ الفاصل بين استمرار مرحلة ما بعد 14 شباط 2005 أو عدمه.
وتتحدث المصادر نفسها عن «شهورٍ حاسمة» ستنتهي مع ختام فصل الشتاء حيث ستكون الرؤية السياسية أوضح مع انقشاع الضباب حول النهج الذي ستسلكه الإدارة الأميركية الجديدة، وإن كان المكتوب يقرأ من بعض العناوين التي تتحدّث عن تكريس «رباعي» إقليمي سيطرته على المنطقة سياسياً واستراتيجياً وهو مؤلف من سوريا، إسرائيل، إيران وتركيا.
وستظهر سوريا في إطار هذا الرباعي بمظهر الشرطي المكافح للإرهاب من شمال لبنان حتى العراق، فضلاً عن إدارة سياسية «من بعيد» للملف اللبناني.
يقول أحد السياسيين اللبنانيين إن واشنطن تعلّمت على ما يبدو من تجارب الأعوام الثلاثة الأخيرة وباتت تنتهج مقاربة جديدة لـ«الشرق الأوسط» الجديد. إلا أنّه يضيف، مازجاً بين الجدّ والمزاح: «ولكن آمل أن نكون تعلّمنا نحن أيضاً».