أقرت لجنة الإدارة والعدل النيابية أخيراً خفض سن الاقتراع إلى 18 سنة ترجمة لمقررات مؤتمر الدوحة، وذلك بعد تحركات لهيئات المجتمع المدني توخت تحقيق صحة التمثيل السياسي لكل فئات الشعب تحت شعارات مثل «لنكن قوة فاعلة لا رقماً وهمياً»
نسرين زهر الدين
نجحت الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب في إيصال صوتها إلى مؤتمر الدوحة، وتولت ترجمة مقرراته لجنة الإدارة والعدل النيابية التي كان موقفها من خفض سن الاقتراع مختلفاً، إذ اعتبرت إنجاز الحملة الوطنية لخفض سن الاقتراع في جمع تواقيع 96 نائباً في المجلس النيابي على عريضة خفض سن الاقتراع عام 1997 «مصدر تشرذم وخلل بين الطوائف». يومها لم يعرض القانون على التصويت، حتى بعدما تقدم 18 نائباً بالمشروع إلى الهيئة العامة.
الوضع اليوم لا يشبه وضع الأمس، فقد تولت اللجنة نفسها دراسة إصلاحات لجنة بطرس وأقرت خفض سن الاقتراع من 21 إلى 18. إلا أنها ألصقته بتعديل دستوري يحتاج إلى أصوات عشرة نواب في دورة عادية لإقراره على اعتبار أنه موضوع سياسي.
وفي النهاية أقرت اللجنة النيابية نص قانون الانتخاب الوارد في اقتراح قانون الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب كالتالي: «لكل لبناني أكمل الثامنة عشرة من العمر، سواء أكان مقيماً أم غير مقيم على الأراضي اللبنانية، أن يمارس حق الاقتراع وفقاً لشرعة حقوق الناخب والمرشح المكرسة في المادة الـ23 من الدستور ولأحكام هذا القانون».
ورغم التعديل الدستوري الذي أُرفق بها، فإن عضو اللجنة بهيج طبارة له رأي آخر، إذ يرى أن القانون لا يحتاج إلى تعديل دستوري.
فقد تقدم بهيج طبارة بدراسة إلى لجنة الإدارة والعدل تتضمن اجتهاداً قانونياً يقول إن خفض سن الاقتراع إلى 18 لا يحتاج إلى تعديل دستوري، مستنداً إلى سابقة قانونية تتعلق بإقرار المادة الـ21 من الدستور، حيث «عمد المشترع إلى حرمان المرأة من الاقتراع بنص دستوري، وعندما منحت المرأة هذا الحق، لم يحصل تعديل دستوري، بل صدر مرسوم اشتراعي رقم 6 (بمثابة قانون عادي) عدلت بموجبه إحدى مواد قانون الانتخاب المعمول به في ذلك الحين وأضاف الإناث إلى القوائم الانتخابية». ويرى طبارة أنه إذا «كان المشترع قد تصرف على هذا النحو بالنسبة إلى حق المرأة في الاقتراع، فمن باب أولى أن يعتمد الطريق ذاته بالنسبة إلى خفض سن الاقتراع إلى 18 سنة ـــــ شرط أن تتوافر الإرادة السياسية لذلك». إلا أن هذه الدراسة لم تنل قبولاً في الجلسة، وأقرت المادة مشروطة بتعديل دستوري.
وكانت قد برزت أصوات عديدة، وخصوصاً في الفترة الأخيرة، تعارض الإقرار بوصفه يحمل خللاً ديموغرافياً، بحيث يطغى عدد المسلمين على المسيحيين، إلا أن خبير الإحصاء يوسف الدويهي دحض هذه الحملات بدراسة نشرت في صحيفة «النهار» يوم 20 حزيران الماضي.

دراسة يوسف الدويهي:

رأى الدويهي أن اتفاق الطائف تجاوز الخلل الديموغرافي الذي لم يكن بجديد، بل بدأ منذ الاستقلال، وفاقمته الهجرة الكثيفة، فضلاً عن مرسوم التجنيس عام 1994. واعتمد الطائف توزيعاً متساوياً للمقاعد النيابية بين المسلمين والمسيحيين. وبالتالي فإن اعتماد 18 سنة لسن الاقتراع لا يغير في المعادلة الانتخابية، كذلك لا يحدث إخلالاً بالتوازن الديموغرافي، ولا يلحق «غبناً بالمسيحيين». وينطلق الدويهي في هذا التحليل من مسلمة تقول إن عدد المسلمين في لبنان يفوق عدد المسيحيين، وهذ ما لا علاقة له بموضوع خفض سن الاقتراع.

تسييس الإنجاز يرد ممثل «الجمعية الوطنية من أجل ديموقراطية الانتخابات» في لجنة الإدارة والعدل سعيد صناديقي على هذه الهواجس بتأكيده أن جميع الفرقاء السياسيين مقتنعون بضرورة إقراره، وهم ممثلون في لجنة الإدارة والعدل، كذلك لا خوف من جهة تولي الحكومة إرسال مشروع القانون إلى المجلس، لأن الوزير المعني (زياد بارود) هو من واضعي اقتراح القانون، وهو يدافع عن الإصلاحات الانتخابية، «إلا أننا تجاوزنا الخط الأحمر للوقت المحدد لاعتماد الإصلاحات الانتخابية ككل».
ولكن حق الاقتراع هو حق الاقتراع، سواء في انتخابات نيابية ستجري ربيع 2009 أو في أخرى بلدية سنة 2010، حتى لو كانت أقل أهمية على صعيد فتح كوة في حائط التمثيل السياسي الذي يعيد إنتاج نفسه، على سيئاته، منذ عقود.
إلا أن الانتخابات النيابية المقبلة باتت على الأبواب، الأرجح أن فرصة أخرى ستضيع على من تراوح أعمارهم بين 18 و21 للتعبير عن رأيهم. إذ إن إقرار القانون الآن ما زال رهناً بموافقة حكومية لإيصاله إلى المجلس النيابي كمشروع قانون وبأكثرية نيابية يتطلبها التعديل الدستوري. ولئن كانت أجواء نواب اللجنة توحي الحماسة لإقراره، فإن مؤتمر الدوحة لا ينهي الأسباب التي حالت دون إقراره في السابق.

توقف الحملة

توقفت الحملة الوطنية لخفض سن الاقتراع بعد ما سمي «زلزال 14 شباط 2005» المتمثل باغتيال الرئيس رفيق الحريري والذي أدى إلى اصطفافات سياسية ومذهبية، وفاز الصوت الطائفي مرة أخرى على الوطني، وانسحب العديد من ممثلي الأحزاب منها نتيجة ذلك، وإذ فرط عقدها، ولعل ذلك كان تتويجاً للمحاولات المتكررة لرسم أبعاد طائفية وهواجس ديموغرافية وإرسال تحليلات تعتمد إشارات وأرقاماً وحججاً بغية إجهاض الحملة وقطع الطريق عليها لإبقاء هذه الفئة الشبابية بوزنها وحجمها خارج المشاركة السياسية في القرار.
لكن هذه الحملة لم تكن الوحيدة، فقد تشكلت آخراً جمعية «شأن» (شباب من أجل الإصلاح الانتخابي) التي تولت الاهتمام بالإصلاح الانتخابي ككل وضمنه مسألة خفض سن الاقتراع، وتابعت نشاطها عبر إقامة ورش عمل ونشاطات متعددة. ووزعت الحملة المدنية للإصلاح الانتخابي كتيبات تتضمن شرحاً مبسطاً ومختصراً لاقتراح لجنة فؤاد بطرس التي توجت جهود مؤسسات المجتمع المدني بإنشائها، كذلك تابعت الموضوع الجمعية الوطنية لديموقراطية الانتخابات التي يحضر ممثلها اجتماعات لجنة الإدارة والعدل باستمرار. ولإقرار هذه المادة تأثير على الوضع العام والمشاركة الانتخابية في البلاد. فإشراك هذه الفئة العمرية في القرار يعكس وجهاً جديداً للمعادلة السياسية، بحيث يصبح للشباب صوت مؤثر بعيداً عن الاعتبارات الحسابية للوظيفة والسلوك الاجتماعي. يقترع ابن 18 لمن يراه مناسباً أو لمن يقتنع بكل أو بعض مواقفه بغض النظر عن النتائج.
إن رفات الشهداء الذي استعيد آخراً يراوح أعمار معظم أصحابه بين 18 و21 سنة. ولدى ابن الثامنة عشرة الوعي الوطني والقومي الذي يدفعه لتحقيق تغيير ما وانتصار على مستوى الوطن ككل، إلا أنه حتى الآن لم يحصل على فرصته لتحقيق تغيير سياسي ديموقراطي يطمح إليه ويمثّل مدخلاً لمرحلة جديدة في البلاد. وللشباب الحق كل الحق في التساؤل: أنكون جديرين بالاستشهاد، ولا نكون جديرين بالانتخاب!؟


أرقام وتواريخ

- 146 دولة في العالم تعتمد سن 18 حداً أدنى للاقتراع
- 3 دول تعتمد سن 17 سنة
- دولتان تعتمدان 16
- 15 دولة تعتمد سن 21 سنة
- دولة واحدة تعتمد 19 سنة
- لبنان والكويت وحدهما بين الدول العربية يعتمدان 21 سنة.
- تضمن البرنامج المرحلي للحركة الوطنية عام 1975 خفض سن الاقتراع إلى 18 سنة ضمن الإصلاحات التي حملتها الحركة تحت شعار التغيير.
- خفض سن الاقتراع إلى 18 يزيد ناخبي 2009 بنسبة 39.84 في المئة للمسيحيين و 59.97 في المئة للمسلمين بحسب دراسة الدويهي.
- توج مرسوم التجنيس عام 1994 الخلل الديموغرافي في البلاد (مسلمون 73.64 في المئة ومسيحيون 26.36 في المئة)
- عدد ناخبي 2009 سيبلغ 3469.523 في حال خفض سن الاقتراع إلى 18 بحسب دراسة الدويهي.
- حزب الكتلة الوطنية يعارض إقرار خفض سن الاقتراع إلى 18 سنة بسبب تعارضه مع النظام الداخلي للكتلة.
- منذ عام 2005 بدأ ترداد شائعات مثل «المسيحيون ليسوا أكثر من 17 في المئة ونسبة الشيعة قاربت الأربعين في المئة»، وهو، بحسب دراسة الدويهي، ترويج لمزاعم غير صحيحة.