ناهض حتّر شهيداً لسوريا: النظام الأردني شريك في القتل | حزين جداً على مقتل ناهض حتر بهذا الشكل السافر، أمام قصر العدل، وأحمّل الحكومة الأردنية الجزء الأكبر من هذه المسؤولية، فما كان ينبغي أساساً أن يقدم إلى محكمة بسبب قيامه بمشاركة رابط لكاريكاتير يسخر من عقلية الدواعش، وسبق أن كتبت وأدنت اعتقاله، وحينها قلت بيننا وبين ناهض خلافات في بعض وجهات النظر، لكن ذلك لا يمنع من وقوفنا ضد اعتقاله، ولم نتوقف عند تلك المقالات المزعجة، والتي كان يعتبرها كثيرون (إقليمية).
ولكن ميزة ناهض أنه كان جريئاً وصريحاً وينشر ما يفكر به، وكان ينطلق من عقيدة وفكر سياسي تؤمن بأن فلسطين بلد عربي، لا بد من تجميع الصفوف لتحريرها، وكان ضد إعطاء الفلسطينيين حقوقهم كاملة، وكان هذا موضوعاً للحوار، ولم يتسبب بقتله مثلاً، أو الاعتداء عليه، بل قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه بلقاء ناهض في عمان قبل عام وأكثر.
فهل جاء اغتيال ناهض بسبب موقفه من الصراع في سوريا، وهل هناك أطراف خارجية تريد عمل فتنة داخل البلد، أم أن القاتل ينتسب إلى تنظيم داعش وقام بكل جرأة بإطلاق النار عليه، وأمام قصر العدل، في رسالة أيضاً للدولة والمجتمع الأردني لتكميم أفواهنا، وتحذير كل من يتجرأ ويكتب ضد داعش؟
لقد نفى ناهض أنه يسخر من الذات الإلهية، في مشاركته لذلك الكاريكاتير الذي لم يقم برسمه ولا نشره، بل كان من بين آلاف من قاموا بمشاركة ذلك الرابط، لتبيان عقلية الدواعش وليس سخرية من الذات الإلهية، فهو يعرف المجتمع الأردني مسلمين ومسيحيين، ويعلم إيمانهم بالله، ولا يمكن أن يقصد استفزاز كل مكونات المجتمع وهو رجل له بعد سياسي أيضاً، وبالرغم من ذلك قامت الحكومة مدفوعة بضغط بعض القوى المتخلفة باعتقاله وحبسه وتوجيه تهمة إثارة النعرات العنصرية والطائفية له. فما هي هذه النعرات التي أثارها ناهض وهي موجود أصلاً وكامنة فينا؟
لا أدين قتله فقط، بل تلك العقلية التي تعامل الكتاب والمثقفين كأنهم مجرمون. وأطالب بفتح تحقيق كامل في مقتله والتوقف عن اعتقال الكتّاب بسبب مقالاتهم وكتاباتهم، وبحماية حرية التعبير حسب القانون الذي يُتغنّى به ليل نهار.
إنها جريمة نكراء بكل معنى الكلمة، والأنكى من ذلك أن الجريمة تمت أمام قصر العدل في رسالة واضحة أن الجاني ومن يقف وراءه لا يؤمنون بالقانون ولا بالعدل بل بقوة السيف والرصاص، وما كان يفترض أن يقدّم ناهض كبش فداء لهم بهذه السهولة، بل تم النفخ في قضيته والتحريض ضده، حتى تم توقيفه، وتسهيل الوصول إليه، وقتله بهذا الشكل المخيف.
كان بإمكان وزير الإعلام وقتها أن يصدر بياناً منصفاً ويتم طي القصة، من دون أن يسمح للغوغائيين بالسخرية منه وتشويه صورته والتحريض على قتله بهذ الشكل البشع الذي يعطي مؤشراً واضحاً على أن الجريمة السياسية بدأت ملامحها تظهر في الأردن، وأن البقاء تحت رحمة الحكومات المنافقة للتيارات الدينية ورهبة مجتمع متزمت لا تبشر بالخير.
وفي ما يلي مقالتي السابقة التي لم تنشر بسبب قرار للمدعي العام بوقف النشر في قضية ناهض حينها:

الحرية لناهض حتر وشتان بين الخلاف وقبول الاعتقال

موسى حوامدة
نعارض ناهض حتر في الكثير من مواقفه ومقالاته، وهذا حق لمن يختلف معه، ومع أي كاتب أو صاحب رأي، ولكن ردة الفعل المبالغ فيها من قبل العديد من الناس، ومن بينهم المثقفون خصوصاً، تجاه نقل ناهض لكاريكاتير، وليس رسمه، تشير إلى هوة عميقة بين التعصب والتسامح.

إن استغلال مسيحية ناهض لشتمه أمر مرفوض، حتى لو كنا ضد العديد من مقالاته ومواقفه، وقد عارضت الكثير منها، وضد نقله لهذا الكاريكاتير، وظني أنه عمل له مشاركة تلقائية بقصد تبيان جهل بعض المتدينين، من دون أن يخطط أو يسعى إلى خلق بلبلة أو فتنة أو ردة فعل إلى هذا الحد، ولا أعتقد أنه قصد التعرض لقناعات المسلمين أو شتم الذات الإلهية، كما هوّل البعض أو الكثيرون، فهو يعي مكونات المجتمع الذي يعيش فيه، وربما حاول نقل صورة كاريكاتير لبعض الفهم الخاطئ للدين وللجنة، لدى بعض المتدينين المتطرفين ــ ومنهم الدواعش، وجاءت ردة الفعل على رفض هذا الفهم، وتخيل الناس أن حتر يرى الله على هذه الشاكلة، ومع أننا نترفع عن خدش قناعات الناس مهما كانت، ونترفع عن نقل الكاريكاتير نفسه، بسبب سوء التربص وسوء الفهم الموجود، لكن الأمر لا يحتاج إلى كل ردة الفعل المبالغ فيها، والتي تنمّ عن كره شديد لكل من يختلف معنا.
لقد قام كثيرون بعمل مشاركة لهذا الكاريكاتير، من دون أن يحاسبهم أحد، ولكن تواصلت الحملة ضد ناهض وتواصل الضغط الشعبي، حتى بدت الأمور كأنها مؤامرة مقصودة لخلق فتنة طائفية، ما دفع برئيس الوزراء نفسه إلى التدخل، والطلب من وزير الداخلية متابعة الأمر، فعمد محافظ العاصمة الى إيقاف حتر على هذه القضية.
أتمنى من الذين بالغوا في ردة فعلهم التروي قليلاً، والكف عن التحريض لأسباب نعرفها، وليس من المروءة أن نصمت على ظلم يتعرض له مثقف في هذا البلد، ونحن ننادي ليل نهار بحرية التعبير والتسامح، وعدم الاعتقال على خلفية النشر.
يمكن ببساطة أن نتجاوز هذا الرابط، عند حتر، كما نتجاوز عن الكثير من المواد التي تسيء لنا ولأعرافنا، ولكننا نتقبلها من الآخرين ونرفضها حين تجيء من قبل مثقف أو كاتب معين، نقف منه موقفاً سلبياً مسبقاً.
لست مع ناهض في نشر الرابط، وإثارة هذه البلبلة والعبث بالوحدة الوطنية، ولكنني لست مع اعتقاله تحت أي شكل من الأشكال وأطالب كل المثقفين الأردنيين بالوقوف ضد هذا الاعتقال والإفراج الفوري عنه من دون قيد او شرط، متمنّياً ألّا ينبري البعض للدفاع عن الذات الإلهية، فمسائل الإيمان والكفر متعلقة بالضمير الذي لا يمكن الاطلاع عليه من البشر، والتفاسير المتعددة حتى للكاريكاتير نفسه، لن تدين ناهضاً، بل سوف تخلي المحكمة سبيله، فهو لم يصرح ولم يشتم الذات الإلهية أو عقيدة المسلمين، لفظاً او كتابة، ولم يقر بذلك، وقد آن الأوان لأن نرتقي في خطابنا وثقافتنا وأن نتدرب على التسامح، فالتسامح يكون لمن يختلف عنا ومعنا وليس لمن يشبهنا ويمثلنا ويوافق رأينا.
نعم الحرية لناهض حتر، رغم اختلافي الشديد والكبير معه، ولكن شتان بين الخلاف وقبول الاعتقال، ومن الواضح أن هناك من استغل القضية في محاولة واضحة لتشويه صورة الرجل إلى هذه الدرجة الخطيرة، بسبب مواقفه السياسية، وكان من الأولى ألا ترضخ الحكومة لمزايدات الكثيرين، وألا تتخذ مثل هذا الإجراء وخصوصاً أننا نشن حرباً على داعش، وغاية نشر الكاريكاتير فضح تلك العقلية الجاهلة التي تصور الخالق في خدمة غرائز الداعشيين الجهلة، وليس التعرض للذات الإلهية.