على عكس مكتب "المردة" عند المدخل الجنوبي لقضاء كسروان، الذي لم يُفتح إلّا نادراً، تشهد مكاتب "التيار الوطني الحرّ" حركة استثنائيّة. غالبية الهيئات المحليّة تستعدّ لليوم المنتظر منذ عقدين ونيف؛ طبعت الصور ورفعتها، وحجزت البقلاوة، واشترت المفرقعات الناريّة، فيما أطلقت العنان لأغاني العماد لتصدح من مكبّرات الصوت. تلك الأغاني التي جسّدت أحلام العونيين لسنوات ورافقت نضالهم وتظاهراتهم منذ التسعينات، ها هي كلماتها تتحوّل واقعاً لا مفرّ منه.لا يزايد على الناشطين في الحماسة إلّا عونيون آخرون، صحيح لم يلتزموا حزبياً، لكنّهم أعلنوا التزامهم بالعماد منذ 26 عاماً، وجدّدوا له العهد نيابياً مرّتين. لم ينتظر هؤلاء استعدادات هيئة القضاء، برُغم خجلها، للمُشاركة فيها، بل بادروا لتجديد الالتزام استعداداً لاستقبال الرئيس الذي تأجّل عهده أعواماً.
تحوّلت منازل كسروانية كثيرة إلى خلايا نحل استعداداً للاحتفال بـ"فخامة العماد"

من نهر الكلب البوابة الجنوبيّة لكسروان إلى نهر ابراهيم بوابته الشماليّة، درز شباب فتوح كسروان الأوتوستراد الساحلي بآلاف الصور، ومن الفتوح إلى الوسط وصولاً إلى الجرد، عمّت المبادرات الفرديّة، فافترشت اللافتات والأعلام الطرقات احتفاءً بفخامة العماد ورئيس الوطن الذي سيوصلهم إلى حلم الجمهوريّة. تحوّلت منازل كسروانية كثيرة إلى خلايا نحل استعداداً للاحتفال بـ"فخامة العماد".
في العقيبة الحركة الأبرز. منذ أكثر من أسبوعين يجلس المناضل داني ضوّ ومنسّق البلدة نقولا بو رعد مع مئات الناشطين الفتوحيين، لوضع برنامج الاحتفالات، فهو كان على قناعة من أواخر الثمانينات بأن "النصر آت لا محالة". يومياً ومنذ تأكّد وصول الجنرال إلى رئاسة الجمهوريّة، ومكتب التيار مفتوحٌ على مدار الساعة، لا يغلق إلّا فجراً قبل أن تعود الحركة إليه صباحاً. وجوه قديمة وأخرى جديدة، حتى المرشّحون المفترضون للنيابة مثل أنطوان عطالله وروجيه عازار ومالك أبي نصر حاضرون، كلّهم يعدّون معاً ما يلزمهم لوجستياً وتنظيمياً. مطلع الأسبوع طبعوا الصور ونشروها على طول الأوتوستراد الساحلي، الجمعة والسبت جالوا في الأحياء على وقع أغاني التيار لدبّ الحماسة في النفوس فلاقاهم الناس بالأرزّ والورود، أمّا الأحد، فنظّموا موكباً سيّاراً من أكثر من 200 سيّارة، جال ساحل كسروان حتى نهر الكلب، الذي له رمزيّة خاصّة في مسيرة نضالهم. هناك وزّعوا الصور على المارة والمناشير كما في السابق، وأعادوا طباعة منشور "احفظه بقلبك بضميرك لأولادك"، الذي سبق أن وزّعوه في بدايات التسعينات، ووقّعوه باسم "لبنان الشراكة والتجدّد" تذكيراً بمبادئهم الجامعة، وتسمّروا حتى صباح الإثنين إذ باشروا توزيع الحلوى منذ السادسة صباحاً.
في الغينة حيث صمد مكتب التيار الوحيد في الفتوح، لا يختلف الأمر كثيراً، هناك أيضاً يتجمّع الناشطون وأبناء البلدات المجاورة استعداداً للاحتفالات المقرّرة اليوم. شكّلت النساء عن زنودهن وباشرن إعداد الطعام، وسيقت الخواريف المخصّصة للذبح، فيما نام الشباب في مكاتب الطباعة لإنهاء الصور واللافتات التي زيّنت البيوت والطرقات. بالنسبة لطوني لطيف منسّق الغينة "ما يحصل اليوم هو الحلم الذي انتظرناه كثيراً، حلم تحمّلنا واضطهدنا كثيراً لأجل تحقيقه وتحقّق".
إلى جانبه يجلس سمير طايع، العوني العتيق والحريص على ألّا ينسى الشباب رفع صورة "أبو نعيم"، رفيق النضال، وصور شهداء الجيش، بالنسبة إليه "الحقّ واجب" ولا بد أن ينتصر نهاية، يقول "رفضنا اللجوء السياسي في فترة الاحتلال، تمسّكنا بوطننا ولم نتراجع أو نيأس. نعتزّ بفترة النضال الطويلة والاعتقالات والاضطهاد الذي تعرّضنا له والمواجهة، لأننا نجني ثمارهم اليوم بوصول الجنرال رئيساً، ليوصلنا معه إلى الجمهوريّة التي يستحقّها كلّ اللبنانيين".
الحالة نفسها من الصفرا إلى غزير التي أعطت عون العدد الأكبر من الأصوات في انتخابات 2009، وجونية التي زيّنت مبنى بلديّتها بصور عملاقة لـ"فخامة الرئيس"، مروراً بصربا التي رفعت صورة عملاقة غطّت على صور قائد الجيش المنتشرة حول المستديرة التي دُشّنت أخيراً باسمه ونقلت الاحتفالات إلى الطرقات الداخليّة والأوتوستراد. ومن ثمّ صعوداً إلى الوسط الكسرواني وصولاً إلى عشقوت مدخل الجرد، التي تزيّنت بالعلم اللبناني واللون البرتقالي وصور "من حافظ على كرامة كسروان".
كسروان التي خرّجت "زعامات" لا تزال في وجدان اهلها، كفؤاد شهاب، ها هي تعيد الكرّة ثالثة مع ميشال عون، الذي سبق أن اختارها لتوصله إلى البرلمان فأوصلته إلى بعبدا... ولو بعد حين.