في عام 2016، شهر آذار تحديداً. اليوم ليسَ مُهماً. لكن الرئيس سعد الحريري، العائد إلى بيروت، بعد غياب، يدخُل «فجأة» إلى مبنى تلفزيون «المُستقبل» في برج المر (الهنغار)، في زيارة شكر «لوفاء الموظفين العاملين في التيار». يقول للمتحلقين بالعشرات من حوله «بعرِف إنو عم نمرق بمرحلة صعبة. قلبي معكُن. بشكركن واحد واحد. عنجَد إنتو أوفياء». زعيمٌ ودود. دمعته سخية، خصوصاً أمام الكاميرا. كثير من «السيلفي» والإطراءات والمُجاملات. ولا كلمة واحدة عن حلول قريبة ــــ بالمعنى الجدّي ـــــ لأزمة تيار المُستقبل، ومن ضمنه المؤسسات الإعلامية (والقناة بطبيعة الحال). ثمّ انتهت الجولة.قبلَ الزيارة، كان اليأس بدأ يتسلّل الى فريق العمل الذي بقي صامداً رُغم شحّ المال والإمكانات، ما عدا من تُرّكَ العمل مُجبراً بإقالات جماعية تحت عنوان إعادة الهيكلة وجدولة الديون (قلّة فقط خرَجت طوعاً للعمل في مؤسسات أخرى). هذا اليأس سرعان ما اختفى فترة. نشوة اللقاء برئيس تيار المُستقبل أعطت الموظفين جرعة أمل ودعم. لكن زخم هذه الزيارة وعلى مدى ثلاث سنوات، لم يُترجم أقله بإدخال القناة ضمن خطة «التعزيل» الداخلي الذي باشر بها الحريري بعد الانتخابات النيابية الأخيرة. تبدو الأمور خلف «الكاميرات» متروكة للإهمال. نسب المشاهدة تنخفض وأحياناً تحصل أخطاء لا أحد يسأل عنها أو ينتبه لها إلا فريق العمل داخل المؤسسة.
(مروان طحطح)

بعد أشهر من الانفراج المالي، والذي تمثل بقبض منتظم للرواتب شهرياً (بما في ذلك في جريدة المستقبل وإذاعة الشرق وموقع تيار المستقبل)، لسان حال الفريق الإعلامي في هذه المؤسسات يتمحور حول إمكان تنصّل الإدارة من الالتزام الذي قُطع للعاملين فيها بقبض الرواتب غير المدفوعة (حوالى 12 شهراً كمعدل وسطي).
وفق الآلية التي اتفق عليها العاملون في تلفزيون المستقبل وإذاعة الشرق مع المدير العام رمزي الجبيلي، يُفترض أن «يحصل كل موظف على المبلغ المتراكم له في ذمة المؤسسة، بعد حسم السلف التي أعطيت له، على أن يتم صرف المبلغ المتبقي، بشكل متساوٍ، خلال مهلة عشرة أشهر، على أن يسري الاتفاق اعتباراً من الأول من آب».
وبينما كان القلق قد بدأ يساور الموظفين، عُلم أن عملية التسديد شهرياً قد بدأت من يوم أمس، مع قبض راتب من الرواتب العشرة المكسورة.
لم يمنع ذلك عدداً كبيراً من الزملاء من رفع الصوت عالياً، خصوصاً بعدما تبيّن لهم أن السلف المالية التي كانوا قد حصلوا عليها، أو مبادرة المؤسسة لسداد أقساط مستحقة على قروض سكنية أو مدرسية أو شخصية من «بنك البحر المتوسط» ستحرمهم من أن يحصّلوا شيئاً من المبالغ المكسورة في ذمة مؤسستهم، سوى النزر القليل المتبقي منها.
لا ينفي انفراج الواقع المالي جزئياً حقيقة أن هذه المؤسسات تعاني من ضائقة مادية، بدليل معظم التقنيات (كاميرات وأجهزة النقل المباشر وأجهزة المونتاج وصوت وإضاءة)، فضلاً عن الاشتراكات المقطوعة مع الوكالات الأجنبية وعدم شراء برامج جديدة، فضلاً عن استهلاك معظم المادة الوثائقية (تجري الاستعانة حالياً بمواد قناة «دويتشه فيله» الألمانية).
بعد ترك نديم قطيش إدارة الأخبار والبرامج السياسية، بعد أزمة احتجاز الحريري في السعودية، أعيد تكليف الزميلين حسين الوجه وعماد عاصي بالمهمة، في ظل صراعات على من يكون الاول، بالتزامن مع ابتعاد هاني حمود عن الاضواء، وهو المستشار الأبرز في إدارة المؤسسات الاعلامية.
بدأت إدارة «المستقبل»، أمس، دفع راتب من الرواتب العشرة المتأخرة


البحث في أسباب ما وصلت إليه القناة لا ينتهي. يُصارع «التلفزيون» من أجل بقائه «على قد حاله». وهو يفتقد الحدّ الأدنى من مقومات الصمود. حتى الملابس التي من المفترض أن تكون في متناول المذيعين والمذيعات غير متوافرة. هنا رواية أخرى شاهدة على الأزمة. فقد قيل لهؤلاء إنهم سيحصلون عليها. فجأة تقرّر أن يتّم تأمينها للمذيعين الـ«vip»! الحظّ في نيلها اقتصر فقط على الإعلاميين زافين قيومجيان ومحمد زينب. الأخير ورث برنامج «inter- views» عن النائبة بولا يعقوبيان، بعد صراع على تقديمه مع زميله منير الحافي الذي طرح نفسه للمهمة، قبل أن يرسو الخيار على زينب بقرار من بيت الوسط.
ولا تقتصر الأزمة التي تعانيها القناة على الشح المالي وحسب، بل بات فيها أزمة مراسلين في الخارج والداخل بعدما صُرف معظم هؤلاء في السنوات الماضية. وكان لافتاً بالتزامن مع الانتخابات النيابية الأخيرة، انكشاف وضع العاملين في المؤسسة، ما فرض على إدارتهم، خلال هذا الاستحقاق، فتح الباب أمام متدربين من الخريجين الجدد من الجامعة اللبنانية وبعض الجامعات الخاصة (ما بين خمسة إلى ستة زملاء) لتأمين احتياجات التغطية اليومية والانتخابية. وقد حقق بعض هؤلاء الزملاء قفزة قياسية، باكتسابهم خبرات سريعة، فيما راوح بعضهم في مكانه ولم يتمكن من تعبئة الفراغ مهنيّاً. لكنهم على الأقل، بحسب زملائهم، هم أصحاب شهادات (يتقاضون ما بين 600 و800 دولار). ولا يخفى على إدارة المؤسسة أن إنتاجية الموظفين الجدد، ومعظمهم من عنصر الشباب (في أواسط العشرينيات)، تكاد تكون مضاعفة لزملاء لهم يعملون منذ انطلاقة القناة في عام 1992.