حذرت مراجع أمنية مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى وقوى سياسية معنية من خطورة ارتداد الأزمة المالية النقدية على الوضع الأمني. وتحدثت معلومات عن أن التحذير جاء على خلفية نقاشات سياسية وأمنية ومالية، تمحورت ليس حول جوهر الأزمة المالية وطبيعتها، إنما حول ردود الفعل المحتملة لبقاء حالة الخوف المالي لدى الناس وتفاقمها، ولا سيما في ضوء ملاحظات الأيام الأخيرة.وأشارت المعلومات الى أن جس النبض الأولي لردة فعل المودعين، أثبت أنه لا يمكن حصر التعامل مع أي احتمال للتدهور المالي، رغم كل التطمينات السياسية، بالمسارعة الى سحب الودائع، لأن المخاوف الحقيقية تكمن في الخشية من أن تساهم إجراءات المصارف للحد من سحب الودائع بالعملة الأميركية، في حدوث ردات فعل توضع في خانة أمنية صرف، وخصوصاً في ما يتعلق بمودعين من الطبقة المتوسطة وما دون الذين يخشون على مدخراتهم، ويمكن أن يتحول رفض مدّهم بأموالهم أو وقف الصرافات الآلية الى ردة فعل تتجاوز الخط الأحمر.
وتأتي التحذيرات من مغبة حصر علاج الأزمة المالية بتدابير اقتصادية ومالية، على ضرورتها القصوى، من دون الأخذ في الحسبان هواجس أمنية وردود فعل المواطنين الغاضبة، ولا سيما أن الإطار السياسي العام لا يزال يتعامل مع الأزمة المالية بأقل من خطورتها الحقيقية.
وقياساً الى دول أوروبية خبرت المعاناة نفسها، من خلال مواجهات مع القوى الأمنية المكلفة حماية المصارف والمؤسسات النقدية، رغم وجود سلطة ودولة قائمة بذاتها، فإن لبنان يشكل بيئة هشة بسبب تفاقم المشكلات الاجتماعية والمالية، يضاف إليها عاملان أساسيان، النقمة الشعبية على الطبقة السياسية والمالية والمصارف، وتفلت السلاح في صورة عامة واحتمال استغلال أي طرف لهذا الوضع المتفاقم.
ويأتي هذا التحذير ليؤكد ضرورة استيعاب خطورة الواقع المالي لأن الأمر يتجاوز ما حصل في الثمانينيات، مع ارتفاع سعر الدولار وخسارة المودعين قيمة أموالهم. فأزمة الثمانينيات التي حصلت في عز الحرب ووجود الميليشيات، مختلفة بطيعتها المالية عما يحصل اليوم، لأن النظام المالي أصبح مختلفاً، فضلاً عن حيثيات المصارف وانتشارها وتضخّمها والعمل بنظام تقني عبر آلات الصرف، اضافة الى دولرة النظام المالي في شكل مختلف تماماً عن الثمانينيات. وإذا كان بطء ردة فعل الناس حينها على التدهور الذي بقي مقنّعاً لفترة، وحجم الودائع بالليرة اللبنانية، ساهما في خسارتهم أموالهم لمصلحة طبقة سياسية ــــ مالية سارعت حينها الى تحويل أموالها الى الدولار، وتحقيق أرباح فائضة لاطلاعها المسبق على المجريات المالية، فإن عبرة الثمانينيات، للذين عايشوها ولم يعايشوها، تشكل بالنسبة الى المودعين سبباً كافياً للتهافت على سحب ودائعهم، فضلاً عن فقدان الثقة أساساً بالتطمينات المتتالية التي أثبتت عدم جدواها أخيراً بدليل استمرار التهافت على المصارف وآلات السحب، اضافة الى ردة الفعل على تحميل المسؤولين الماليين المواطنين الخائفين، مسؤولية العبث بالاستقرار النقدي.
المعالجة المعتمدة حالياً لا تزال تقتصر على تدابير سلحفاتية


كل ذلك وضع برسم المعنيين، في صورة جدية، في موازاة الحث على ضرورة القيام بإجراءات سريعة مواكبة تعطي مزيداً من الاطمئنان، لأن أي حادث فردي في مصرف ما يخشى معه ان يتحول كرة ثلج، وهذا لا يصب في مصلحة الوضع العام، علماً بأن «الرقابة الدبلوماسية» على الوضع المصرفي والوضع الداخلي ربطاً به باتت لا تقتصر على دولة واحدة كالولايات المتحدة. فالعين الأوروبية فعّلت في الآونة الأخيرة مراقبتها بدقة لتداعيات الأزمة المالية، تزامناً مع عودة اهتمام وسائل إعلام أوروبية ــــ والفرنسية منها تحديداً ــــ بالوضع المالي، مواكبة لدور باريس في «سيدر» والضغط لإجراء الإصلاحات المطلوبة. وهذا في حد ذاته يشكل مؤشراً مقلقاً، لأنه يتعدى موضوع العقوبات الأميركية على المصارف، او التلويح بمزيد منها، بل يهدد البنية الاقتصادية التي تحاول اوروبا الإبقاء على استقرارها لأسباب عدة. وأي عبث بالوضع المالي وتدحرجه نحو خضة اجتماعية لن يبقى من دون ارتدادات تنعكس على مقاربة هذه الدول لمشاريع ترعاها في لبنان. ما يعني ان كل ذلك هو حلقات متشابكة في سلسلة واحدة، تفترض تغييراً في أسلوب المعالجة المعتمد حالياً، التي لا تزال تقتصر على تدابير سلحفاتية، خطوة خطوة، لا تتماشى مع حجم المخاوف من انعكاسات سلبية على الوضع الداخلي، علماً بأن ردة الفعل على ما حصل في الثمانينيات وأفقد الناس مدخراتهم، أكلتها الحروب آنذاك. اليوم، الأمر مختلف تماماً، وما التصق الى الأبد بعهد الرئيس امين الجميل، قد يلتصق أيضاً بعهد الرئيس ميشال عون.