ليس مفاجئاً كشف العدو الإسرائيلي عن مساعي قادة جيشه للبحث عن مخططات تهدف الى الانتصار على حزب الله ومحاولة تبديد المكانة التي احتلها بعد الدور الذي قام به في تحرير لبنان وحمايته في وجه التهديدين التكفيري والإسرائيلي، ومحاولة الالتفاف عليه عبر الداخل اللبناني. لكن اللافت أن هذا المخطط حدّد معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» هدفاً، للعمل على تفكيكها وإسقاطها، بعدما ثبت نجاحها بشكل حاسم من خلال الإنجازات التي حققتها في مواجهة التهديدين التكفيري والإسرائيلي، في أخطر ظروف تاريخية مر بها لبنان والمنطقة.الخصوصية الإضافية تكمن في أن من أوضح معالم هذا المخطط وتفاصيله ورهاناته، هو قائد المنطقة الشمالية اللواء أمير برعام، في مجلة الجيش «معرخوت» في نيسان الماضي، في الشهر نفسه الذي تولى فيه منصبه الجديد. بعبارة أخرى، من يشرح هذا المخطط، هو من يفترض أن يقود ــــ بحكم منصبه ــــ أيّ حرب مفترضة على لبنان. وهو، قبل ذلك، تولى قيادة الفيلق الشمالي منذ كانون الثاني 2018، بعدما تولى قيادة الكليات العسكرية (مدرسة الضباط في جيش العدو) في كانون الأول عام 2017، ما يُشير الى الخبرة التي يمتلكها الرجل، وتحديداً في ما يتعلق بلبنان ومجمل الجبهة الشمالية.
عرض برعام «نظرية كلاوزفيتش» في إدارة الحروب، والتي تستند الى مكونات ثلاثة («الجيش، الشعب والدولة»)، وفيها يساوي كل من الأضلع الثلاثة الآخر. في المقابل، يرى أن معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» تهدف الى وضع المقاومة بدل الدولة، متجاهلاً الدور التكاملي الذي تقوم به المقاومة مع مؤسسات الدولة، وأن أهم مصادر التهديد الذي يعاني منه لبنان في مواجهة عدو كالكيان الإسرائيلي، يتصل بالدرجة الأولى بـ«ضعفه التكويني». إذ إننا أمام بلد مساحته صغيرة، كما عدد سكانه، مع تركيبة طائفية، مقرونة بعوامل أخرى؛ أبرزها التدخلات الأجنبية، ما يجعله في حال انقسام دائم. يُضاف ذلك إلى «عطب» آخر يتمثّل بسوء الإدارة السياسية في مواجهة الأزمات. فيما يواجه في الوقت نفسه تهديداً وجودياً من كيان يطمع بأرضه ومياهه وثرواته الطبيعية، ويتمتع بقدرات هائلة على المستويات التكنولوجية والعسكرية والتدميرية، فضلاً عن الدعم الدولي ــــ الأميركي.
يلفت برعام إلى أن معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» تنطوي على نقاط ضعف بإمكان إسرائيل استغلالها. والتدقيق في ما رأى أنه نقاط ضعف يبيّن أنها ناتجة من الانقسامات في لبنان، ومن ضمنها الموقف من المقاومة، ما أوجد الأرضية للعدو كي يراهن ويخطط.
بعد شرح نظري وسرد لمواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ينتقل برعام الى القسم العملي الذي يهدف الى ضرب المعادلة الثلاثية، عبر التصويب على المقاومة، في مقابل الجيش والشعب والدولة. في هذا السياق، يعرض سلسلة اقتراحات لـ«مواجهة حزب الله وإضعاف موقعه ومكانته في لبنان»، وذلك بالتركيز على أن «الصراع الذي يخوضه، ويقدم فيه نفسه حامياً للبنان، يتم فعلياً بتعليمات إيران وبالسلاح الذي تقدمه له». وفي هذا ما يشي بأن الحملة الإعلامية التي تعرض لها حزب الله وهدفت الى سلخ البعد الوطني عن مواجهته للتهديدين الإسرائيلي والتكفيري، إنما هي في الواقع تنفيذ لمخطط إسرائيلي.
في السياق نفسه، يرى قائد المنطقة الشمالية ضرورة تقديم نتائج نشاطات حزب الله على أنها «قد تجرّ خراباً على لبنان وليس حمايته»، في محاولة لقلب الصورة وتحويل السبب الى نتيجة. ويكشف أيضاً أن بروز حزب الله كحام للبنان يُجهض المفهوم الذي يسعى العدو الى ترويجه بأن مقاومة حزب الله هي سبب التهديد الذي يتعرض له لبنان من إسرائيل، لا أن التهديد الإسرائيلي المحدق بلبنان هو سبب وجود المقاومة.
ليس بعيداً عن المفهوم السابق، يدعو برعام الى «تعزيز الصوت المعارض لحزب الله وسط الطوائف والجماعات غير الشيعية، والتأكيد على أن حزب الله منظمة شيعية قطاعية في ماهيّته وأفكاره ونشاطاته». وينطوي ذلك على إقرار ضمني بأن أداء الحزب يتجاوز، في أبعاده ونتائجه، البعد الشيعي، وإلا لما كان هناك اهتمام إسرائيلي مركّز على تطويقه وطنياً، ومحاولة حصره داخل الإطار الشيعي. ويبدو من خلال ما أورده برعام أيضاً أنه كان صريحاً في أن مواجهة حلفاء حزب الله داخل الطوائف الأخرى، المسيحية والسنية والدرزية، هي أيضاً جزء من مخطط إسرائيلي مباشر.
برعام أشار، أيضاً، الى الدور المكشوف الذي تقوم به إسرائيل لتحريض الدول الغربية ضد الحكومة اللبنانية من خلال اتهامها بأنها شريك في أعمال حزب الله، «مع التركيز على (ما يترتّب على ذلك من) مخاطر على لبنان في أي معركة مقبلة». ويكشف ذلك أن المخطط الإسرائيلي يقتضي الضغط على الحكومة اللبنانية لتفجير جبهات داخلية في مواجهة حزب الله، وخصوصاً بعدما سلّم خصومه في الداخل بالمعادلة التي تحفظ استقرار لبنان وتحميه من الأخطار الخارجية.
مواجهة حلفاء حزب الله داخل الطوائف الأخرى هي أيضاً جزء من مخطط إسرائيلي


اللافت في الخطة التي يقترحها قائد المنطقة الشمالية أنه في وقت يدعو فيه إلى الضغط على الحكومة اللبنانية، يشدّد على ضرورة دعم مؤسسات الدولة اللبنانية والخدمات المدنية بهدف سلب حزب الله فرصة تعبئة هذا الفراغ.
وللجيش اللبناني حصته في هذا المخطط، إذ يدعو برعام الى ضرورة وقف الولايات المتحدة، وغيرها من الدول، «تمويله ودعمه» بسبب العلاقات الوثيقة بينه وبين حزب الله. وهو بذلك يقرّ، بطريقة غير مباشرة، بأن إحدى أهم نقاط قوة لبنان تكمن في التكامل بين المقاومة والجيش. لذلك كان برعام صريحاً في الدعوة الى ممارسة الضغط على الجيش لتفكيك هذا التكامل الذي تلمّس اللبنانيون ثماره المباشرة في مواجهة التهديد التكفيري وفي مواجهة شبكات التجسس التابعة لكيان العدو.
مع ذلك، يبدو واضحاً أن هناك تبايناً بين إسرائيل والولايات المتحدة في مقاربة دعم الجيش، وما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج وتداعيات. ولا يخفى أنه من نوع الخلاف حول الطريقة الأضمن والموصلة الى الهدف.
في المقابل، كان لافتاً أيضاً بروز خلاف في الداخل الإسرائيلي حول فعالية خطة قائد المنطقة الشمالية في مواجهة حزب الله ولبنان. إذ خلصت قراءة صادرة عن «مركز بيغن ــــ السادات» الى أن هذه الخطة فاشلة مسبقاً. واستندت في ذلك الى تقدير محدّد لمكانة حزب الله في المجتمع الشيعي، وإلى الدعم الذي يتلقّاه من الجمهورية الإسلامية في إيران. وأنهت هذه القراءة النقدية بالتعبير عن خيبتها من فعالية مخطط برعام، بالقول «للأسف الشديد، الحقّ مع نصر الله وليس مع برعام. أيضاً وفقاً للنظرية الكلاوزفيتشية بإمكان المنظمات غير الدولتية أن تدير حرباً (في مواجهة إسرائيل) وبنجاح لا يستهان به».