لم تقوَ رحابة صدر مناصري حركة أمل على تحمل التهجّم على زعيمهم الرئيس نبيه بري في الجنوب، لأكثر من أربع وعشرين ساعة. من ليل الخميس إلى ليل الجمعة، سكتوا عن قيام شبان (من بينهم كثيرون من مؤيدي الحركة) عن قطع الطرقات في الزهراني وصور والنبطية وبنت جبيل ومرجعيون، واستهداف بري وعائلته في التجمعات الاحتجاجية الغاضبة. لكن صبرهم نفد ليل الجمعة. مسؤولون وعناصر حركيون مسلحون نزلوا إلى طريق الزهراني ــــ صور وفتحوا الطرقات بالقوة، مطلقين النار في بعض الأماكن لتفريق المتجمعين. وفي النبطية، صدّوا بالقوة المتجمهرين أمام منزل النائب ياسين جابر ولاحقوا المتظاهرين في شوارع المدينة، ولا سيما أمام مبنى السرايا، حيث فرّقوا الحشد واعتدوا على البعض بالضرب بعد منتصف ليل الجمعة ــــ السبت. إلا أن الغليل الأخضر لم يشف من تجرؤ بعض أبناء الجنوب على التطاول على حامل الأمانة واتهامه بالفساد والسرقة. دعوا قبل ظهر أمس إلى تجمع استنكاري عند مستديرة الاستراحة في صور. منذ شيوع خبر التجمع، انسحب المئات من المتظاهرين من شوارع المدينة، منعاً للاحتكاك بمناصري أمل. في مشهد مهول تقدمه النائب علي خريس ومسؤولون ورؤساء بلديات، تجمّع المئات من الشبان والنساء والأطفال حاملين الأعلام اللبنانية ورايات أمل. من حولهم، التفّ عشرات المسلحين يرتدون بدلات عسكرية ويهتفون «لبيك يا نبيه». خريس، الذي خطب بالمسيرة، وصف من تطاول على بري بـ«العملاء والخونة». المسلحون ساروا في تظاهرة مرت من أمام مكتب خريس الذي شهد أول من أمس تجمعات احتجاجية، وأكملت باتجاه مستديرة أبو ديب. وبين المستديرتين، لاحق بعضهم فلول المتظاهرين واعتدوا عليهم بالضرب بالعصيّ. اكتمل المشهد الذي أعاد صور إلى الثمانينيات، بانتشار قناصة على أسطح بعض المباني وتنقل سيارة رباعية الدفع ثبت فوقها رشاش «بي كا سي»»، بين العباسية وصور. مشهد كان كفيلاً بشل الحركة في المدينة وإقفال المحال واختفاء المتظاهرين.
النائب قبيسي، متوعداً من تهجّم على مكاتب النواب: «من يدخل إلى بيوتنا، سندخل إلى بيوته»

لم تطل سيطرة الحركيين على الأرض سوى لساعات. بعد الحملة التي طاولت «أمل»، أصدرت قيادتها بياناً تبرأت فيه من المسلحين وممن اعتدوا على المتظاهرين، مؤكدة «انحيازها لمطالب الناس وتمسكها بحرية التعبير ورفضها للمظاهر المسلحة». ووعدت بـ«إجراء تحقيق لتحديد المسؤوليات واتخاذ التدابير اللازمة». ترافق البيان مع اتصالات تهدئة أجرتها قيادتا حزب الله وحركة أمل لاحتواء التوتر والترهيب اللذين خيّما على المدينة. وعند المساء، عاد المتظاهرون بخجل إلى ساحة البوابة، فيما وقف مناصرو أمل قبالتهم من دون تسجيل احتكاك. الهدوء المستعاد ضاعف تباعاً أعداد المتظاهرين. في التظاهرة المسائية، انشغل المشاركون بالتبرؤ من إحراق استراحة صور السياحية ليل الجمعة. تبادلوا الاتهامات مع الحركيين بالمسؤولية عن الحادثة التي طرحت تساؤلات عدة. إذ حاول عدد من الشبان اقتحام الاستراحة، قبل أن يردعهم رموز المتظاهرين والجيش اللبناني. وبعد نصف ساعة من مغادرة الجميع، دخل من الباب الخلفي حوالى 300 شاب حطّموا كاميرات المراقبة وأحرقوا وسرقوا محتويات القسم الفندقي والصالات بالكامل على مدى ساعتين، بغياب تام للجيش والقوى الأمنية الذين تبعد مراكزهم عن المكان أمتاراً قليلة. مصدر أمني تحدث إلى «الأخبار» عن توقيف شابين وملاحقة عشرين آخرين.
في النبطية، التزم مناصرو «أمل» بضبط النفس تجاه التجمع الاحتجاجي السلمي أمام سرايا المدينة طوال اليوم، برغم انتشارهم في محيط التجمع ينتظرون الساعة السادسة والنصف مساء. ذلك التوقيت هو موعد فض التجمع الذي قررته القوى الأمنية بذريعة «منع تكرار التعرض لهم كما حصل في الليلة السابقة». وافق المتظاهرون، لكن الحركيين لم ينتظروا حتى المساء. بدأوا نحو الساعة الخامسة بمسيرة سيارة وبالدراجات النارية، رافعة رايات أمل، خرقت التجمع أمام السرايا وجابت الشوارع والتفّت حول مستديرة كفررمان حيث يقام تجمع احتجاجي آخر. النائب هاني قبيسي تفقد منزل جابر، متوعداً من تهجم على مكاتب النواب ورموز المنطقة: «من يدخل إلى بيوتنا، سندخل إلى بيوته»، قال. قيادتا حزب الله وحركة أمل في الجنوب توافقتا على فتح الطرقات المقطوعة بالإطارات المشتعلة. في النبطية، تولى الحزب مواكبة المسيرة الحاشدة التي نفّذها المتظاهرون عصراً من أمام السرايا باتجاه مستديرة كفررمان.
«الثأر» لبري لم ينحصر جنوباً. في الاعتصام السلمي المفتوح عند مستديرة إيليا في صيدا، انسحب منه عشرات المشاركين من حارة صيدا «بعد التطاول» على رئيس حركة أمل.