بعد مرور سبعة أيام متواصلة على التحركات الشعبية التي تعمّ لبنان، لا تزال الحكومة تتعامل مع الموقف كما لو أن دورها انتهى بعد إقرار «إصلاحاتها» الاثنين. لكن المتظاهرين لم يخرجوا من الشارع، وهذا يعني أن «ورقة الإصلاحات» لم تؤدِّ بعد غرضها المطلوب.أول من أمس بدا أن معظم من في السلطة، إضافة إلى رئاسة الجمهورية، يؤيدون إجراء تعديل وزاري، يؤدي إلى تغيير عدد من الوجوه، تردّد منها: محمد شقير، يوسف فنيانوس، جمال الجراح، علي حسن خليل، وائل بوفاعور، إضافة إلى اثنين من وزراء العهد، على رأسهما جبران باسيل. كان يفترض أن يحدد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اسميهما، لكن أمس تغيرت المعادلة، فتراجع احتمال التعديل، ليترافق مع تقدّم خيار «فتح الطرقات». أما سبب هذا التحول، فيصفه مصدر معني بعدم استعداد أي من الكتل لتقديم التنازلات. حتى حزب الله، الذي ظل حتى الأمس يؤكد احترامه لخيار الناس، داعياً مناصريه إلى عدم التعرض لهم، دخل على خط «فتح الطرقات»، وهو ما تم التعبير عنه بشكل واضح ومباشر في النبطية حيث عمدت البلدية، المحسوبة على الحزب، إلى فتح الطرقات بالقوة. وقد برّر النائب حسن فضل الله ما حصل بالإشارة إلى أن الاشكال في النبطية هو إشكال محلي له علاقة بالسوق التجاري والأهالي، مشيراً إلى رفض حزب الله الاعتداء على أي متظاهر، لكن في الوقت نفسه يجب أن يعبر المواطنون إلى منازلهم من دون عوائق. كما اعتبر أنه لا يجوز أن يساهم المتظاهرون في تجويع الناس بحجة محاربة الجوع. وقال فضل الله إن الموجودين في الشارع ينتمون إلى حراكَين: حراك وطني عفوي نزل إلى الشارع للتعبير عن مطالبه، وحراك سياسي تقوده القوى التي تريد رأس العهد، والجزء الثاني تقوده القوات.
سياسياً، اجتمع رئيس الحكومة سعد الحريري بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة العائد من رحلته الأميركية وبهيئة المصارف. وتقرر مجدداً إقفال المصارف اليوم، خشية من تهافت الناس على طلب الودائع والتحويل من الليرة إلى الدولار، قبل التوصل إلى قرارات تهدّئ من «السوق». كذلك عقدت «لجنة الإصلاحات» الوزارية اجتماعاً عادياً، كان على جدول أعماله مشروعا قانون استرداد الأموال المنهوبة ومكافحة التهرب الضريبي. النقاش كان تقنياً بحتاً، ولم يتم التطرق فيه إلى ما يشهده البلد، وإلى كيفية الخروج من الأزمة الراهنة.
وفيما كانت اللجنة تعقد اجتماعها الأول في غياب وزراء القوات، حافظ الحزب التقدمي الاشتراكي على وجوده، على قاعدة «رجل بالبور ورجل في الفلاحة»، فبقي في الحكومة لأنه «لن نترك الرئيس الحريري»، كما سبق أن أعلن الوزير أكرم شهيب في مجلس الوزراء، كما لم يغادر السقف العالي لخطابه السياسي، الموجّه إلى العهد تحديداً. وهو إذ تيقن من تجربة 2005 أن سقوط رئيس الجمهورية هو شعار غير ممكن التحقيق، فقد ميّز النائب وليد جنبلاط بين العهد وبين «رموز الاستبداد» فيه، وبالتحديد «وزير خرّب العهد وهو صهر العهد وزير الخارجية اللبناني ​جبران باسيل​». وإذ أكد جنبلاط، في حديث لـ«يورونيوز»، على رفضه للورقة الإصلاحية داخل مجلس الوزراء وخارجه، فقد دعا إلى تعديل حكومي مع ​انتخابات​ نيابية مبكرة. وفي سياق مسعى قام به اللقاء الديمقراطي للوصول إلى حلول للأزمة الراهنة، زارت وفود من الحزب الاشتراكي واللقاء الديمقراطي الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري. كما عقدت لقاءً مع قائد الجيش، ومع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله، حسين الخليل. وبعيداً عن لقاء العماد جوزف عون، الذي ثمّن فيه الحزب «جهود الجيش في احتضان اللبنانيين في المظاهرات الشعبية وتأمين الحماية لهم في مختلف المناطق»، تركّزت اللقاءات الأخرى على محاولة إقناع مختلف الأطراف بضرورة السير في التعديل الحكومي، مع دعوتها إلى إقناع رئيس الجمهورية بذلك. لكن أجوبة القوى السياسية الأخرى المشاركة في الحكومة، خلصت إلى أمرين: «لا استقالة للحكومة ولا تعديل وزارياً».
لاشتراكي يُسوّق التعديل الوزاري أمام بري والحريري وحزب الله


وفيما كان منتظراً أن يعقد الرئيس ميشال عون مؤتمراً صحافياً أمس، أعلنت دوائر القصر الجمهوري أنه سيخرج، عند الساعة 12 من ظهر اليوم، على اللبنانيين في رسالة يتناول فيها التطورات الحالية، ويجيب فيها على كل الأسئلة التي أثيرت في الأيام الماضية. وتأتي كلمة عون، بحسب مصادر بعبدا، لتطرح «مقترحاً حوارياً»، استجابة للبيان الصدر أمس عن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك برئاسة البطريرك بشارة الراعي، ومشاركة بطاركة وممثلين عن الكنيسة الارثوذكسية. واعتبر البيان أن ما يشهده لبنان منذ 17 تشرين الأول هو «انتفاضة شعبية تاريخية واستثنائية تستدعي اتخاذ مواقف تاريخية وتدابير استثنائية». وأشار إلى أن «المسكّنات لا تمر بعد الآن، فما كان هذا الشعب لينتفض لو لم يبلغ وجعه حده الأقصى». ودعا البيان «الحكم والحكومة إلى التجاوب مع المطالب الوطنية ومنها: حكم ديمقراطي، حكومة ذات مصداقية، قضاء مستقل وعادل، أداء شفّاف، حياد عن الصراعات، تطبيق اللامركزية الإدارية، بسط سلطة الشرعية دون سواها، مكافحة الفساد، وقف الهدر، استرداد الأموال المنهوبة بقوانين نافذة، تأمين التعليم وفرص العمل، توفير الضمانات الاجتماعية لمختلف فئات الناس». ودعا البيان الذي تلاه الراعي رئيس الجمهورية إلى «البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن مطالب الشعب». واعتبر أن «استمرار شلل الحياة العامة في البلاد من شأنه أن يؤدي إلى انهيار البلاد اقتصادياً ومالياً، ما يرتد سلباً على الشعب اللبناني، وبخاصة على أبنائنا وبناتنا الثائرين«. أضاف: «لقد حان الوقت لكي تلبي الدولة المطالب المحقّة لتعود الحياة الطبيعية إلى البلاد».