لكن، لا تعني مواقف نتنياهو، حول استغلال فرص الاحتجاجات في العراق ولبنان، بالضرورة أن الرهان الإسرائيلي ارتقى إلى مستوى التقدير بأن الاحتجاجات قادرة على تخليصها من التهديد الذي تشكله المقاومة، بل يدرك هو والمسؤولون في تل أبيب أن هذا لم يعد، في المدى المنظور، ضمن متناول يد الولايات المتحدة أو حلفائها. في ضوء هذه الحقائق، وكترجمة للعقيدة الاستراتيجية التي تتبنّاها المؤسستان السياسية والأمنية الإسرائيليتان في مواجهة التهديدات، من الطبيعي أن ترفض إسرائيل أن يكون البديل من الفشل في اجتثاث المقاومة التسليم بوجودها وبتعاظم قدراتها ونطاق انتشارها، واتساع هامش المبادرة لديها. فما بين هذين الحدّين، هناك مستويات أخرى من الفرص عادةً ما تعمل عليها الدول والقوى. وما لم تنجح في القضاء عليه تعمل على إضعافه، و/أو حرف وجهته أو استنزافه و/أو تقييد حركته في المبادرة والرد، وصولاً إلى محاولة احتوائه وردعه. وانطلاقاً من إدراك تل أبيب محدودية قوتها، ومعها الولايات المتحدة، في مواجهة شعوب المنطقة، وفي أعقاب التطورات السابقة التي شهدها لبنان والعراق، تحوّل هذا المستوى من الأهداف إلى مطلب ملحٍّ لإسرائيل من دون أن يعني ذلك التخلي عن هدفها الدائم: القضاء على المقاومة أو إضعافها، على أمل أن تتمكن من استغلال أيّ مستجدّ إقليمي لهذا الهدف أو ما دونه.
مع ذلك، إن أي مستوى من الفرص التي تقدّر تل أبيب أنها لاحت في العراق ولبنان يتطلّب التنسيق مع الولايات المتحدة، بل هو مدخل ضروري لنجاح أيّ مخطط، ويعود ذلك إلى كون إسرائيل غير قادرة على القيام بدور مباشر وواسع في هذا المجال، كما أن أيّ دور علني لها قد يكون مخرّباً (في بعض الأحيان) أكثر من كونه مفيداً. هكذا، تكون واشنطن هي الأقدر على تنفيذ المصالح الإسرائيلية، وخاصة أنها لا تخفي أن الهدف الأول لسياساتها هو حفظ أمن إسرائيل وتعزيز مكانتها الاستراتيجية. من هنا، لا ينبغي التفتيش على ما تفعله إسرائيل مباشرة في عملية الاستغلال التي أشار إليها نتنياهو، بل الدور المباشر وغير المباشر لواشنطن. وقد أجمل نتنياهو هذه الرؤية بالقول: «الولايات المتحدة هي المفتاح» في الضغط على إيران وحلفائها. ولأن تل أبيب تُجمع بتياراتها ومؤسساتها على أن مصدر التهديد الأساسي على الأمن القومي هو نظام الجمهورية الإسلامية، كان موقف نتنياهو خلال لقائه بومبيو أن «الملف الأول الذي سأطرحه سيكون الملف الإيراني، وهو سيكون أيضاً الملف الثاني والثالث، وسأطرح قضايا كثيرة أخرى»، في إشارة إلى الحلف الدفاعي مع الولايات المتحدة، والاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على غور الأردن.
أيّ مستوى من «الفرص» في العراق ولبنان يتطلّب التنسيق مع واشنطن
الملاحظ في الخطاب السياسي الإسرائيلي في السنوات الأخيرة أنه لم يعد يجد حرجاً في الإقرار المباشر بأن إسرائيل لم تعد قادرة على القيام بدور الوكيل القادر «على توفير البضاعة» دون تدخل أميركي مباشر. ولم يعد المسؤولون يتردّدون في التعبير عن أن حجم التهديد الذي يمثله محور المقاومة فوق قدرة إسرائيل، ولهذه الغاية تطالب بدفاع مشترك مع الولايات المتحدة وفق قياسها! والأهم أنها لم تعد تجد حرجاً منذ سنوات، في إعلان السياسات والمواقف التي تخدم مصالحها في مواجهة المقاومة في لبنان وبقيّة أطراف المحور، مع أنها تدرك مسبقاً أن ذلك لن يؤدي إلى أي تغيير في مواقف أيّ من القوى المحلية وأدائها... وهذه قضية قائمة بذاتها تحتاج إلى المزيد من التأمّل.