بعد ساعاتٍ على انفجار مرفأ بيروت المهول، وجّه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي فريقه للوقوف إلى جانب الحكومة اللبنانيّة ورئيسها حسّان دياب، في مواجهة الكارثة التي ألمّت بلبنان واللبنانيين. وفي الساعات القليلة المقبلة، تدخل الأراضي اللبنانيّة - آتيةً من العراق مروراً بالأراضي السوريّة - قافلةً مؤلّفةً من 22 صهريجاً ضخماً، محمّلة بالمازوت، في مساعدةٍ هي «الأولى»، بحسب مسؤولٍ حكوميٍّ عراقيٍّ رفيع. الجهات الرسميّة والدينيّة والسياسيّة والشعبيّة العراقية أعربت عن تضامنها الكامل مع لبنان، مسخّرةً كل إمكاناتها في خدمة الشعب اللبناني وحكومته. الموقف العراقي، بتعبير أكثر من مصدرٍ سياسيٍّ لبنانيٍّ، كان «متقدّماً جدّاً». حركة الاتصالات بين بغداد وبيروت، خلال اليومين الماضيين، كانت «سريعة الترجمة»، كما قال هؤلاء.مساء أمس، استقبل دياب - في السراي الحكومي - وفداً عراقيّاً برئاسة وزير النفط إحسان عبد الجبّار، الذي أطلعه على التقديمات الطبيّة العراقيّة التي وصلت إلى بيروت، والتقديمات النفطيّة التي انطلقت من بغداد. عبد الجبّار أشار إلى أن «المساعدات بلغت 20 طنّاً من المواد الطبيّة والصحيّة»، مؤكّداً «التزام الحكومة العراقيّة بالوقوف إلى جانب لبنان في هذه المحنة». وأضاف، أن الكاظمي وعد الحكومة اللبنانية بـ«توفير الوقود، على أن يبقى الكادر الطبّي في بيروت حتى يأذن له الجانب اللبناني بالعودة».
وفي هذا السياق، أثمرت «الاتصالات» المكثّفة التي أجراها المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم، مع الكاظمي، وعداً بمدّ لبنان بـ100 ألف برميل من المازوت شهرياً (نحو 20 مليون ليتر)، عن طريق سوريا. مصادر عراقية قالت إن الشحنات العراقية ستكون مجانية لمدة 3 أشهر، على أن يتفق الجانبان في الأسابيع القليلة المقبلة على آلية تسديدٍ «ميسّرة»، تأخذ في الاعتبار حاجة لبنان إلى العملة الصعبة ووضعه الاقتصادي، فيما أشارت مصادر لبنانية إلى أن الجانبين لم يدخلا في تفاصيل ثمن الشحنات. هنا، يبرز الحراك العراقي – مطلع شهر تموز الماضي، عندما زار عبد الجبّار ووزير الزراعة محمد كريم الخفاجي بيروت، لإنضاج «تفاهمٍ» يقضي بمدّ لبنان بنفط عراقيّ مقابل خدماتٍ استشفائيّة وصادراتٍ زراعيّة. طوال الفترة الماضية، حالت عقبات عديدة دون الوصول إلى صيغةٍ نهائيّةٍ للتفاهم المرتقب، منها التعقيدات السياسيّة الداخليّة (في العراق ولبنان)، والإقليميّة والدوليّة («الفيتو» الأميركي)، عدا عن التعقيدات البروتوكوليّة والتقنيّة – اللوجستيّة. لكنّ انفجار المرفأ سرّع من وتيرة التخطيط والتنفيذ.
سيرسل العراق شهرياً 20 مليون ليتر من المازوت إلى لبنان


في بغداد، مناخٌ يوحي بالتفاؤل في الشقّ المتعلّق بتطوير العلاقة مع بيروت. بعض المسؤولين يؤكدون أن «نقلةً نوعيّة» ستشهدها العلاقات الثنائيّة، خاصّةً أن الجانب العراقي «لن يقف شاهداً على الأزمة الاقتصاديّة اللبنانيّة»، فـ«المساعدات ستشمل أيضاً القمح وأنواعاً أخرى من الحبوب». وتضيف المصادر، لـ «الأخبار»، أن السفارة العراقيّة في بيروت كثّفت حركة اتصالاتها مع الدوائر الحكوميّة اللبنانيّة لمعرفة حاجاتها الأساسيّة، ورفعت «قائمةً» بها إلى المعنيين في بغداد.
في الساعات المقبلة ستصل المساعدة العراقيّة الثانية، والتي ستسهم «نوعاً ما» في تأمين جزء من حاجة لبنان للمحروقات المستخدمة في معامل إنتاج الطاقة الكهربائية. المعلومات تشير إلى أن بغداد أرادت أن تكون القافلة محمّلة بـ«النفط الخام» و«الغاز أويل»، لكنّها عادت واستبدلتها جميعها بالمازوت، بناءً على طلب الجانب اللبناني، وستتسلّمها وزارة الطاقة. الجانب العراقي، وفق المعلومات، حريصٌ على تأمين «ما يُمكن وما هو متاح» من حاجة لبنان للقمح بشكلٍ رئيس، خاصّةً أن انفجار المرفأ أصاب – بشكلٍ كبير – إهراءات القمح.
وبالتوازي مع الموقف الرسمي، كانت لافتةً جدّاً خطوة «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني)، مع إعلان ممثله في كربلاء أحمد الصافي عن استعداده لمعالجة من يريد في مستشفيات الكفيل، في مدينة كربلاء، وعلى نفقة «العتبة العبّاسية». البارز أيضاً، الحراك الشعبي العراقي على هذا الصعيد، وتواصل فعالياتٍ عديدة مع أطرافٍ لبنانيّين (منهم حزب الله)، وإعرابها عن تقديم «كل ما يحتاج إليه لبنان لعبور هذه المرحلة».