يصعب تصوّر أن تكتفي الإدارة الأميركية أو الحكومة الإسرائيلية بعملية ترسيم حدودية. صحيح أن مسؤولين أميركيين أقرّوا بأن التفاوض لن يُنتِج معاهدة سلام أو تطبيعاً بين لبنان و«إسرائيل»، لكن واشنطن وتل أبيب تريدان لهذه العملية أن تكون أكثر بكثير من مجرد اتفاقية تقنية، ما يطرح السؤال حول كيفية الفكاك من هذه الشباك؟ هل سيرضى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون برفع التمثيل الى مستوى سياسي أم يصمد أمام الضغوط القصوى والابتزاز الذي تمارسه الولايات المتحدة في هذا الملف على قاعدة «الترسيم مقابل الاقتصاد»؟رسمياً، لم يُصرّح بعد عن الوفد اللبناني الذي سيتوجه الى الناقورة يومَ الأربعاء المقبل. الخبر الوحيد المؤكّد هو ما أعلنته قيادة الجيش عن اجتماع عقده قائده، العماد جوزيف عون، مع الوفد المكلف بالتفاوض. الاجتماع ضمّ كلاً من العميد الطيار بسام ياسين (نائب رئيس أركان الجيش للعمليات)، العقيد الركن البحري مازن بصبوص، والخبير في المفاوضات الحدودية نجيب مسيحي. حتى هنا، لا يزال كل شيء طبيعياً. غيرَ أن ما لم يُكشف عنه هم الأعضاء الإضافيون. ففي اليومين الماضيين كانت لدى رئيس الجمهورية (وبعض مستشاريه) فكرة أن يضمّ الفريق المفاوض ممثلاً عن وزارة الخارجية اللبنانية، هو هادي هاشم (مدير مكتب الوزير ومستشار للوزير السابق جبران باسيل)، إضافة إلى رئيس هيئة إدارة البترول وسام شباط، فيما كانَ لافتاً التداول باسم أنطون شقير، المدير العام لرئاسة الجمهورية، ليكون حاضراً في المفاوضات!

انقر على الصورة لتكبيرها

هذا الأمر أثار استياء فريق 8 آذار، ومخاوف ثنائي حزب الله وحركة أمل. فمحاولات الحكومة الإسرائيلية إعطاء المفاوضات صبغة سياسية، عبر ضمّ مسؤولين حكوميين في وفد العدو، تستوجب اتخاذ لبنان موقفاً رافضاً والإصرار على حصر التمثيل بالمستويين العسكري والتقني، ثمّة في لبنان من يحاول التعامل بالمثل عبرَ اختيار شخصيات سياسية وحكومية مدنية تمثل لبنان، علماً بأن التفاوض الذي سيحصل هو لحل نزاع مع دولة معادية، وهذا ما يفترض أن ينحصر دور التفاوض بالجيش وحده. لذلك لم تتوقف الاتصالات في اليومين الماضيين، للتباحث مع عون ونصحه بعدم الوقوع في الفخ. وقد علمت «الأخبار» أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد يتحدث الى عون في الأمر، لكونه كان مكلفاً بالملف سابقاً، ولتأكيد أن اتفاق الإطار وفي بنده الأول يؤكّد «الاستناد إلى التجربة الإيجابية للآلية الثلاثية الموجودة منذ تفاهمات نيسان 1996»، ما يعني أن تُناط المهمة بالجيش وحده. وفيما جرى التداول بمعلومات عن أن «الاتصالات أفضت إلى التراجع عن فكرة وجود دبلوماسي لبناني»، قالت مصادر رئاسية إن «شقير على الأرجح سيحضر الجلسة الإفتتاحية، لأسباب رمزية»! ومن دون أن تفسّر هذه الرمزية، أكدت أن شباط سيكون من ضمن الوفد. ما يطرح السؤال حول الإصرار على وجود شخصية حكومية مدنية. فعملية التفاوض هي على ترسيم الحدود وليست على الثروة النفطية، فما الحاجة الى وجود شخص كشباط من ضمن الوفد، غير إعطائه طابعاً يتجاوز الطابع التقني والعسكري؟ وكأن هناك من يقصد إعطاء إشارة تجاوب مع ما يريده الوسيط الأميركي، ويعتبر أن ذلك يُمثّل الفرصة الأخيرة لحل جزء من مشاكل البلد الاقتصادية والمالية!
وفيما يصل اليوم الى بيروت مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، للمشاركة يوم الأربعاء في الجلسة الافتتاحية، لا يزال أمر الصورة «التذكارية» التي طلبها شينكر، لجلسة التفاوض الأولى، التي ستجمع كل الأطراف، غير محسوم بعد! مصادر بعبدا تقول إنه «لا اعتراض عليها»، بينما تنفي مصادر عسكرية الأمر، وتؤكّد أن «من المستحيل أن تكون هناك صورة تجمع الوفدين اللبناني والإسرائيلي معاً»، مع العلم بأن هذا الطلب كانَ يجِب أن يُقابل بالرفض ومن دون أدنى تفكير، نظراً إلى أهمية هذه الصورة في البازار الانتخابي الأميركي والإسرائيلي. فهل على لبنان أن يكون عراباً لحملات دونالد ترامب وبنيامين نتيناهو ويقدّم صورة سيتسنى لواشنطن تسويقها كما لو أنها جزء من عملية السلام في المنطقة؟
شقير سيكون حاضراً في الجلسة الافتتاحية وحسب!


من جهة أخرى، كانَ لافتاً ما ورد في بيان الجيش اللبناني، عن أن قائد الجيش أعطى التوجيهات الأساسية لانطلاق عملية التفاوض بهدف ترسيم الحدود البحرية على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً والممتد بحراً تبعاً لتقنية خط الوسط، من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة (صخرة تخيلِت، مثلاً) استناداً الى دراسة أعدّتها قيادة الجيش وفقاً للقوانين الدولية. وهذا يعني دفع خط الحدود جنوباً عن الخط المعلن من قبل الدولة اللبنانية، ويؤدي ذلك إلى إضافة نحو 840 كلم إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، تضاف إلى الـ 860 كيلومتراً مربعاً «المتنازع عليها» حالياً، ليصبح إجمالي المنطقة «المتنازع عليها» 1700 كيلومتر مربع. وبذلك تكون قيادة الجيش قد تجاوزت في مطالبتها المساحة التي وضعت «إسرائيل» يدها عليها بالاستناد الى الخطأ الذي ارتكبه لبنان عام 2006، باعتماد خرائط غير دقيقة، لتطالب بمساحة إضافية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا