رأى رؤساء الحكومة السابقون أن ما احتوته رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى المجلس النيابي حول تأليف الحكومة «يطيح بأحكام الدستور الواضحة والصريحة، وبمبدأ الفصل بين السلطات وبالأسس التي يقوم عليها النظام الديموقراطي البرلماني. ويشكل انقلاباً حقيقياً على الدستور، وهي الممارسات عينها التي عطّلت تطبيق أحكام الدستور، كما عطّلت تشكيل الحكومة ووضعت البلاد على حافة الانهيار».
وأشاروا في بيان إلى أن «أكثر ما استوقف رؤساء الحكومة السابقين وما أثار استغرابهم في رسالة عون إعطاء نفسه دور الوصي على مهمة ودور رئيس الحكومة المكلف لتشكيل الحكومة وتجاوز ذلك إلى إعطاء نفسه دور الضابط والمحدد لمهمته، سواء لجهة إلزامه بمعايير يحدّدها له في تشكيل الحكومة أو وضع قيود أو شكليات، يجب اتباعها بما يجعله في حالة من التبعية لرئيس الجمهورية، وبما ينزع عن رئيس الحكومة دوره الدستوري المبادر والمسؤول، عن عملية تشكيل الحكومة».

وأبدوا تقديرهم لعون لـ«حرصه على المصلحة العامة وغيرته على منفعة الشعب، تبريراً للرسالة التي وجّهها الى مجلس النواب». وأضافوا: «كان يمكن أن يكون تقديرنا أكبر بكثير لو سهَّل تشكيل الحكومة، ولو أراد فعلاً التخفيف من معاناة الشعب وعدم إقحام مجلس النواب والكتل والأحزاب السياسية في النقاشات التي تزيد النار اشتعالاً، ولكان من الأسهل سلوك المسلك الدستوري الآمن، وارتضى بالاحتكام إلى مجلس النواب بدل توريط البلاد كلها في لحظة مفصلية خطيرة، في جدل سياسي ودستوري بل وطائفي، يمكن أن يطيح بما تبقى من قواعد العيش المشترك في الوطن اللبناني، وذلك بالعمل على توقيع مرسوم تشكيل الحكومة وفقاً للصيغة التي قدمها إليه رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، ويرسلها إلى مجلس النواب المناط به إعطاء الحكومة الثقة أو حجبها عنها، وهكذا يكون عون قد حوّل جهنم إلى برد وسلام على الشعب اللبناني».

وأكدوا أن «رسالة عون مليئة بالمغالطات، وفيها تحوير للوقائع التي حصلت في تكليف سعد الحريري بمهمة تشكيل الحكومة حتى اللحظة الراهنة. إذ إنّه حاول خلافاً للحقيقة تحميل الحريري مغبَّة التأخير في تشكيل الحكومة، وامتناعه عن القيام بهذه المهمة وفقاً للأصول».

كما لفتوا إلى أن «الحقيقة التي يعلمها الرأي العام اللبناني أنه فور صدور قرار التكليف بدأ الحريري، وفقاً لأحكام الدستور، بإجراء الاستشارات النيابية مع الكتل المختلفة دون استثناء، وعكف على وضع مشروع لتشكيل الحكومة ووضعه بين يدي عون دون تأخير. وصرّح أكثر من مرة بأنه على استعداد للحوار معه بشأن التفاهم على هذا الأمر».

وأوضح رؤساء الحكومة السابقون أن «ما جرى وما قد أصبح معروفاً لدى جميع اللبنانيين، هو خلاف ما قاله عون في رسالته تماماً. إذ إنّ الحريري لم يلق تجاوباً ولا تعاوناً، بل وُضعت العراقيل في طريقه والتي حاول عون فرضها، ومنها مسألة الثلث المعطل، وأعراف جديدة أخرى متعارضة مع أحكام الدستور ولا يقرّها نظامنا الديموقراطي البرلماني».

وأشاروا إلى أن «البند 10 من المادة 53 من الدستور، وإن كان يعطي عون الحق بتوجيه رسائل الى مجلس النواب في قضايا وطنية عامة، إلا أنه في ما خصّ موضوع تشكيل الحكومة فإنّ الدستور قد أوضح أحكامه وقواعده بشكل واضح وصريح، وبما ينسجم مع مبادئ النظام البرلماني القائم على أساس مبدأ الفصل بين السلطات وبما يلزم كل سلطة بأن تلتزم حدود صلاحياتها وأن لا تتجاوز حدود هذه الصلاحيات أو تطغى على صلاحية سلطة أخرى».

وتابعوا أن المادة 64 من الدستور (البند 2) نصّت على أن «رئيس مجلس الوزراء (رئيس الحكومة المكلف) يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، وبعد ذلك يضع باعتباره رئيساً للحكومة ومسؤولاً عن أعمالها أمام مجلس النواب مشروعاً لتشكيلها بما يؤمِّن الخروج بحكومة منسجمة ومتضامنة وذات فعالية وقادرة على أن تنال ثقة مجلس النواب، وكذلك ثقة اللبنانيين. وبالتالي يقترح على رئيس الجمهورية التشكيلة التي انتهى إليها ويتم التداول والنقاش والتفاهم بشأنها معه، ويصدر رئيس الجمهورية نتيجة ذلك، بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلّف مرسوم تشكيلها وفقاً لما ينص عليه الدستور».

وشددوا على أنّ «الحريري راعى القواعد والأصول والتزم بالأعراف الدستورية ولم يخرج عنها، وأبدى كل تجاوب وتعاون ممكن، لكنه كان يواجه في كل مرة بعقبات وبمطالبات تخرج عن الدستور وتجنح إلى إدخال من لا شأن له بمسألة تشكيل الحكومة، لإعطائه دوراً خلافاً لأحكام الدستور».