وترى فصائل في غزة أن الموقف المصري السبّاق في قضية إعادة الإعمار، والإعلان قبل انتهاء المواجهة عن تقديم 500 مليون دولار للقطاع، يُعدّ جزءاً من محاولة لترسيخ مكانة القاهرة، كعنوان لغزة أمام «المجتمع الدولي» في هذا الملفّ، وذلك لتفويت الفرصة على الدوحة التي كانت مرشّحة لقيادة العملية، ولا سيما بعد خوضها تجربة سابقة عبر لجنتها التي تقيم بصورة دائمة في القطاع منذ حرب 2014. لذلك، لا تزال مصر تحسب حساباً لموقف «حماس»، وتُوليه أهمية كبيرة، خشية أن يؤدي تجاهل الحركة إلى تفجّر الأوضاع مجدداً والعودة إلى المعارك أو التصعيد مع الاحتلال، وهو أمرٌ لمّحت إليه «حماس» خلال اللقاءات المكّوكية التي يجريها الوفد المصري بين القاهرة وتل أبيب خلال الأيام الماضية، فضلاً عن أن رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، أجرى لقاءً بالأمير القطري، تميم بن حمد، أول من أمس، وكان العنوان البحث في «الجهود المبذولة لإطلاق عملية الإعمار».
ربما تتقبّل «حماس» دوراً مصرياً بطريقة ما لكنها ترفض تدخّل السلطة
أمام «المجتمع الدولي»، يبرز حالياً الدور المصري بعد تصريح الرئيس الأميركي، جو بايدن، ليلة وقف النار، أنه سيتمّ إرسال مساعدات على وجه السرعة إلى غزة، لكن ذلك سيكون بالتنسيق مع السلطة «بطريقة لا تسمح لحماس بأن تعيد ببساطة بناء ترسانتها». وطبقاً للجوّ الأميركي، سيتطلّب هذا الأمر على الأرجح عمليات مراقبة على الأرض، وليس من الواضح بعد إذا ما كانت «حماس» ستسمح بذلك، ومَن الطرف الذي سيتولّاها، لكن واشنطن تعوّل على القاهرة، وفق تفسيرات المسؤول الأميركي السابق، دينيس روس، حين قال إن طرفاً ما، ربّما يكون المصريين وغيرهم، «سيتعيّن أن يكون له وجود فعلي في غزة لتفقد السلع المستوردة ومراقبة استخدامها». على أيّ حال، ووفقاً لكلام البيت الأبيض أمس، سيكون موضوع الإعمار محوراً في الجهود الدبلوماسية لواشنطن التي قد تضطر إلى التفاوض مع «حماس» بصورة مباشرة أو غير مباشرة لإنهاء حالة التوتر، وهو ما تلقّته الحركة بإيجابية، مبدية استعدادها لفتح قنوات اتصال مباشرة أو غير مباشرة، طبقاً لمسؤول «حمساوي» تحدث إلى «الأخبار».
يقول المسؤول نفسه إن «حماس» قد توافق على التدخّل المصري بطريقة معينة، لكنها ترفض تدخّل السلطة التي جُرّبت سابقاً واستغلّت الملفّ ضدّ الغزيين، وذلك لتجنّب هجوم أميركي ودولي عليها تحت شعار أنها تمنع دخول المساعدات وإعادة الإعمار. لكن برزت تصريحات لمسؤول في البيت الأبيض يبرّر فيها رفض الحديث مع الحركة حالياً بأمل أميركي في إعادة دور السلطة إلى غزة بطريقة ما، وهو ما علّق عليه المسؤول قائلاً: «نعتقد أنه لن يحدث شيء من هذا القبيل (تحكم السلطة في غزة) قبل إجراء الانتخابات أو تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها الفصائل كافة». ومن ناحية أخرى، تبرز الأمم المتحدة هذه المرّة كمرشّح للإشراف على ما يطرحه الأميركيون والأوروبيون بخصوص الإعمار عبر «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، التي سبق أن كان لها دور في إعادة بناء وترميم البيوت التي تضرّرت في حرب 2014، وهو ما ترفضه حالياً تل أبيب التي لا تريد أيّ تعزيز لمكانة «الأونروا» مجدّداً بعد مساعيها السابقة للتخلّص منها. لكن المفوّض العام للوكالة الدولية، فيليب لازاريني، قال إن إعادة إعمار غزة «يجب أن تصاحبها جهود طويلة الأمد لتجنّب جولة جديدة من إراقة الدماء... وأن ترافقها بيئة سياسية مختلفة».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا