في هذه الأثناء، تفاقم التوتّر السياسي على وقع تهديد المصارف بتمديد الإضراب. وهذا التصعيد يذكّر بالقرار غير المسبوق للنائب العام المالي علي إبراهيم الذي قضى بوضع إشارة «منع تصرّف» على أصول ٢٠ مصرفاً لبنانياً وتعميم منع التصرّف على أملاك رؤساء مجالس إدارة هذه المصارف. يومها قرار إبراهيم لم يستنفر أصحاب المصارف حصراً، بل شركاءهم من سياسيين انتفضوا للدفاع عن القطاع المصرفي. وينفّذ أصحاب المصارف اليوم إضراباً ضدّ «تعسّف» القضاء. فيما يتغافل هؤلاء، قصداً، عن أنهم تعسّفوا بحقوق المودعين، وتمكنّوا، بمساعدة قوى السلطة، من تجنّب المحاسبة والمساءلة والعقاب طوال أكثر من سنتين. فلو كان هناك قضاء قادر وعادل، لما استمرّت المصارف بشكلها الحالي إلى يومنا هذا، ولما كان هذا النقاش دائراً، علماً بأن الإقفال اليوم سيكون في وجه الزبائن فقط، إذ عمّمت معظم المصارف على موظفيها أنها ستعمل بشكل داخلي، لأن بعض المصرفيين يرون في الإضراب الأمل الوحيد من خلال زيادة الضغط على القوى السياسية من أجل «تسوية ما»، فيما لا يوافق مصرفيون آخرون على أن يكون هذا الضغط بالإقفال في وجه زبائن حاقدين أساساً على المصارف، ولا ينبغي استعداؤهم أكثر. لكن المفاجئ أن يكون لموظفي المصارف صوت إلى جانب أصحاب المصارف. إذ رددت نقابة موظفي المصارف ما تقوله المصارف عن انعدام مسؤوليتها عن تبخّر أموال المودعين.
حال المصارف اليوم من حال الحكومة التي قد تجد نفسها في مأزق مماثل إذا ما باتت غير قادرة على تأمين رواتب موظفي القطاع العام في حال تصعيد المصارف التي يعتقد نافذون فيها أنّ خيارهم الوحيد هو التصعيد، متحدثين عن استنسابية في الحجوزات التي أُلقيت على مصارف دون غيرها. ويرى أصحاب هذا الرأي أنّه بدل خنق المصارف، كان الأَوْلى التهديد بالخنق لتحصيل حقوق المودعين، معتبرة أنّ الذهاب إلى النهاية سيؤدي إلى خسارة الجميع.
عون قد تفتح محضراً إلحاقيّاً ضد الحاكم في أحد الملفات التي تحقق فيها لتستمر في ملاحقته
رغم كل ما سبق، تتحدث معلومات عن مخرج مقترح يتمثل باقتراح مجلس عدلي لملاحقة جرائم المصارف. وترى المصادر أنّ هذا المقترح قد يكون المخرج الأمثل الذي يُرضي جميع الأطراف، لكنه في الوقت نفسه قد يكون مقبرة لهذا الملف لكون التحقيق قد يطول لسنوات عديدة.
تجدر الإشارة إلى أنّه لم تُحجز أملاك جميع أعضاء مجالس الإدارة في المصارف الستّة التي طلبت القاضية عون إلقاء الحجز عليهم. فقد تبيّن أنّ هناك خطأ في بعض الأسماء التي أُلقي عليها الحجز في بنك عوده، إذ إنّ كلاً من إبراهيم صليبي وأنطوان بوقرح وباسمة حرب تركوا المصرف أوائل عام ٢٠١٩ ولم يكونوا أعضاء مجلس إدارة، إنما مديرين، علماً بأنّ هناك أعضاء مجلس إدارة لم يُذكروا. كذلك ورد اسم بالخطأ، إذ لا يوجد مسؤول في المصرف اسمه حليم الدبس، إنما خليل الدبس. وفي بنك البحر المتوسط أيضاً، لم يُمسّ محمد الحريري الذي كان رئيساً لمجلس الإدارة لمدة طويلة، بينما أُلقي الحجز على ريا الحسن التي عُيّنت عام ٢٠٢١. كذلك ورد اسم آخر غير صحيح بين الأسماء الممنوعة من السفر والتي أُلقي الحجز على أملاكها بصفته رئيس مجلس إدارة مصرف سوسيتيه جنرال. فقد دُوِّن اسم أنطوان مخايل صحناوي، بينما الصحيح هو أنطوان نبيل صحناوي بسجل مختلف. كما تجدر الإشارة إلى أنّه في جميع هذه المصارف، المدير العام هو المدير التنفيذي، لكن لم يُذكر أحد من المديرين العامين فيها.