لم يكتف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بخنق الاقتصاد وتبديد أموال المودعين وحجب الدولارات عن القمح والطحين والمحروقات وتبديد الاحتياطات بالعملة الأجنبية على تجار ومحتكرين محظيين، فقرّر مدّ يده على الدعم الذي تتلقاه الأسر الأكثر فقراً من وزارة الشؤون الاجتماعية. فبحسب معلومات «الأخبار» سيتم حرمان المستفيدين من برامج المؤسّسات الاجتماعية التي تشمل مساعدات مالية وعينية للأطفال الرضع وأطفال الشوارع وذوي الإرادة الصلبة والنساء المعنفات وأطفالهنّ والمسنين والمدمنين على المخدرات والصمّ والمصابين بالتوحد وغيرها من الحالات التي تحتاج إلى متابعة دائمة.

المشكلة هنا ذات شقين: شقّ يتعلّق بتقييد مصرف لبنان لأموال مؤسسات الرعاية وحصر سقف سحوباتها المالية بثمانية مليارات ليرة في الشهر بما يعادل مليوني ليرة في الأسبوع بينما سقف سحوبات المودع العادي 6 ملايين ليرة. وشقّ ثانٍ مرتبط بـ«الدولار الفريش» الذي يمتنع الحاكم عن تسليمه إلى الجمعيات رغم أن عقود تحويل الأموال تمرّ عبر ديوان المحاسبة ووزارة المال والمصرف المركزي وبالتالي لا يمكن للوزارة أن تصرف أي أموال خارج المسار الرسمي وخارج عقود الرعاية مع هذه الجمعيات.
هذا «التقييد» يصفه وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار بـ«مشروع لإقفال الجمعيات العاملة مع الوزارة وترك آلاف المحتاجين لمصيرهم». فبعد إفقار المواطنين، ثمة مسعى عن سابق تصور وتخطيط لـ«جرّ كل من يستفيد من عقود الرعاية إلى الشارع وإلى مزيد من العوز والموت». يسأل حجار: «هل يمكن لحاكم مصرف لبنان تحمّل ما سيحصل لكل هؤلاء؟ أقول له إن هذا الملف قنبلة ستنفجر في وجهه ولا قدرة لأحد على تحمل تداعياته».
ووفقاً لوزير الشؤون، عمد عدد غير قليل من الجمعيات إلى إقفال أقسامه الداخلية وإلغاء بعض البرامج، فضلاً عن أن بعض الجمعيات أقفلت كلياً، في حين أن المؤسسات الكبيرة لن تستطيع الصمود طويلاً. علماً بأن الجمعيات التي تقفل لا يمكن أن تفتح مجدداً، والضرر الوحيد يكون على صاحب الحاجة.
وكان سلامة قد تراجع عن الوعود التي قطعها لوزير الشؤون الاجتماعية، إذ جرى الاتفاق بينهما على أربع نقاط:
- رفع السقوف المالية للجمعيات، وهو ما تعهّد به مصرف لبنان عبر بيان لم ينفذ حتى الساعة.
- السماح للجمعيات بدفع الرواتب الموطنة لدى المصارف لموظفيها وهو ما يمنعه عليها سلامة لغاية اليوم.
- السماح للجمعيات بالحصول على الدولار الفريش الذي تحصل عليه من متبرعين وجهات خارجية لتتمكن من متابعة عملها مع الفئات المستهدفة.
- منع المؤسسات الاجتماعية من الحصول ولو على جزء من دولاراتها المودعة في المصارف قبل عام 2019 على غرار الأفراد، ولو وفق نسبة «هيركات» كبيرة. فالتعاميم الصادرة عن مصرف لبنان تستثني هذه المؤسّسات وتمنعها من استخدام ليرة واحدة من أموالها.
وسط ذلك كله، ما زال سلامة يكذب. إذ أصدر بياناً منذ أسبوع يشير فيه إلى أنه يقف إلى جانب المطالب المحقة للجمعيات، لافتاً إلى أنّه «سبق ووافق على منح 40 في المئة من مستحقات الجمعيات الخيرية والتي تم تحويلها عن عام 2021 بشكل نقدي، ويمكن لها تقاضيها من حساباتها لدى المصارف». لكن ما يحصل هو أن الوزارة والجمعيات تراجع المصارف، فتحيلها إلى مصرف لبنان.
وفي مقابل التضييق الممارس من سلامة على الجمعيات، وبالتالي على المحتاجين، ثمة تضييق من نوع آخر يمارسه البنك الدولي على الفقراء، أو بالأحرى من ساهم سلامة والطبقة السياسية بإفقارهم. فقد سبق لمسؤولي البنك الدولي أن عقدوا عدة اجتماعات مع المعنيين في حكومة نجيب ميقاتي وقبلها حكومة حسان دياب، بحضور وزارة الشؤون الاجتماعية واللجنة المكلفة بموضوع البطاقة التمويلية، وأغدقوا وعوداً فارغة استكملها سلامة بوعود مماثلة.
يقول حجار إن الوزارة أنهت عملها منذ ستة أشهر وما زالت تنتظر جواب البنك الدولي على المساعدة في تمويل البطاقة: «شفهياً الالتزامات على قدم وساق ونشكر البنك على مساعدته التقنية ودعمه، إلا أننا لم نر أو نلمس أبعد من ذلك». وفي الواقع، يتصرف مسؤولو البنك الدولي في لبنان بالطريقة نفسها مع كل الوزارات، من الشؤون الاجتماعية إلى الأشغال العامة والنقل إلى الاقتصاد… إلى الوعود المتكررة لوزارة الطاقة بتمويل استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية في ظل أقسى تقنين يحصل في لبنان. إلا أنه لم تنفذ أي من هذه الوعود، رغم عدم تفويت البنك مناسبة من دون تأكيد وقوفه إلى جانب لبنان. وذلك يعزز ارتباط عمل البنك الدولي في لبنان بأجندة سياسية تقودها الولايات المتحدة وتهدف بشكل أساسي إلى زيادة الضغوط على لبنان لإجباره على تقديم تنازلات سياسية تتناسب ومصالح الغرب.