عوائق تطبيق القانونأولاً، لجهة عدم استكمال الإجراءات اللوجستية اللازمة لوضعه موضع التطبيق:
يهدف هذا القانون إلى تحقيق الشفافية التي تشكل احد أهدافه الرئيسية، مرتكزاً على قواعد أساسية تتمثل بالآتي:
1- حوكمة الشراء العام الذي تناوله الفصل السادس القانون بنصه على تشكيل:
• «هيئة الشراء العام» بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، وتعنى بتنظيم الشراء العام والإشراف عليه ومراقبته وتطوير اجراءاته ونظمه وتصميم وادارة وتشغيل المنصة الالكترونية المركزية للشراء العام.
• «هيئة الاعتراضات الإدارية» (بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء)، وتُعنى ببتّ الاعتراضات المقدّمة في شأن الإجراءات والقرارات الصريحة أو الضمنية الصادرة عن الجهة الشارية أو أي من الجهات المعنية الادارية بعملية الشراء او المتكوّنة منها بما فيها ملفات التلزيم.
• «لجان التلزيم»، وتتألف من أصحاب الخبرة والاختصاص الواردة أسماؤهم في اللائحة الموحدة الموجودة على المنصة الالكترونية المركزية، وتتولى حصراً درس ملفات التأهيل المسبق وفتح وتقييم العروض وتحديد العرض الأنسب.
• «لجان الاستلام»، وتتألف من أصحاب الخبرة والاختصاص الواردة أسماؤهم في اللائحة الموحدة الموجودة على المنصة الالكترونية المركزية.
ونصت المادتان 100 و101 على أن لجان التلزيم يجب أن تتشكل من «موظفي الادارة فئة ثالثة على الأقل ممن لديهم خبرة مثبتة في مجال الشراء العام و/أو من المتدربين عليه أصولاً وفقاً لأحكام هذا القانون»، وانه قبل تعيينهم يجري التقصي عنهم من قبل «هيئة الشراء العام بواسطة هيئة التفتيش المركزي وديوان المحاسبة والهيئة العليا للتأديب»، قبل وضع اللوائح الخاصة بهم في تصرف الجهات الشارية في قاعدة البيانات الخاصة على المنصة الالكترونية لديها، إذ يجب أن يكون الاختيار من ضمن هذه اللوائح. وكذلك الأمر في ما يتعلق بلجان الاستلام التي ينبغي أن يكون تعيينها من ضمن الأشخاص الواردة أسماؤهم في اللائحة الموحدة الموجودة في قاعدة البيانات الخاصة بهم على المنصة الالكترونية المركزية.
• «سلطات التعاقد»، وتتولى مهامها لجهة إجراءات الشراء والتعاقد من تخطيط للمشتريات، ووضع آليات لتحديد الحاجات والإعلان عنها وفق الأصول ومتابعة تنفيذها وارسال المعلومات الى هيئة الشراء العام بحسب ما تنص عليه أحكام هذا القانون، ونشر المعلومات على المنصة الالكترونية المركزية لدى هيئة الشراء العام بشكل يضمن الشفافية وحق الوصول للمعلومة.
2- إنشاء المنصة الالكترونية المركزية التي تسمح بتطبيق الإجراءات التنافسية كقاعدة عامة في الشراء العام وتوفر للجميع معاملة عادلة ومتساوية وشفافة ومسؤولة من خلال الإجراءات العلنية المتعلقة بالشراء العام بشكل يفعّل الرقابة والمحاسبة.
3- التخصص وبناء القدرات من خلال إخضاع القائمين بمهام الشراء العام لتدريب متخصص ومستمر تنفذه وزارة المالية على أن يدرج الشراء كوظيفة محددة ضمن الهيكل الوظيفي في الدولة، ويجري إنشاء وحدة للشراء من ضمن الهيكل التنظيمي للجهة الشارية.
انطلاقاً من ذلك يمكن تحديد الأسباب اللوجستية الآتية:
1- حتى اللحظة، لم تُشكّل هيئة الشراء العام، وما نصت عليه المادة 88 من القانون تحت عنوان «أحكام انتقالية»، وبموجبه «أُسندت رئاسة هيئة الشراء العام إلى مدير عام إدارة المناقصات، وكذلك الموظفين والمتعاقدين والاجراء الحاليين فيها من ضمن الهيكل الإداري للهيئة»، ليس من شأنه أن يعالج مشكلة عدم تشكيل هذه الهيئة، لأن المسؤوليات والصلاحيات والمهام التي انيطت بهيئة الشراء العام بموجب المادة 76، في ظل عدم تشكيلها، لا يمكن اختصارها بشخص وحيد هو رئيس هيئة الشراء العام، إذ لا يستطيع من الناحية العملية أن ينجزها وأن يتابع منفرداً دقائق تفاصيلها التي تحددت وفقا لنص المادة 10، علما أنها هيئة ناظمة ومستقلة ذات دور تنظيمي واشرافي غير متوفر في المنظومة المعتمدة حالياً في الشراء، وأن تغييبها وحصر دورها بشخص رئيسها ولو في المرحلة الأولى من مراحل تطبيقه سيعطّل عملها والدور المركزي الذي أنشئت لأجله.
2- لم تُشكل المنصة الالكترونية المركزية التي تسمح بتطبيق الإجراءات التنافسية كقاعدة عامة في الشراء العام وتوفر للجميع معاملة عادلة ومتساوية وشفافة ومسؤولة، من خلال الإجراءات العلنية المتعلقة بالشراء العام بشكل يفعّل الرقابة والمحاسبة.
3- لم توضع قاعدة بيانات خاصة تتيح تشكيل لجان التلزيم والاستلام، ما يؤدي الى من الناحية القانونية إلى تعذر تشكيلها لأن القانون فرض أن يكون التشكيل من ضمنها.
4- عدم إنجاز الشروط التي تفرضها أحكام المادتين 100 و101 لجهة التوصيف الوظيفي والتدريب يمنع من وضع قاعدة البيانات الخاصة بتشكيل هذه اللجان، وهو ما يعطّل عمليات الشراء على انواعها.
5- ندرة موظفي الفئة الثالثة في البلديات والتأخر في إطلاق ورش التدريب للتخصص وبناء القدرات التي أوجبتها المادتان 72 و73، ما يحول دون تحقيق الهدف في تخصيص موارد بشرية عالية المهنية والاحتراف والنزاهة للقيام بعمليات الشراء والالتزام بموجب التدريب المستمر. ويشار إلى أن أي تشكيل لهذه الفئة من الموظفين من خارج الضوابط المقررة، يطيح بأهداف الخبرة والنزاهة والتخصص التي ينشدها القانون من هذه اللجان.

ثانياً، لجهة عدم استكمال الإجراءات القانونية اللازمة لوضع القانون موضع التطبيق:
وهي على سبيل المثال لا الحصر:
1- عدم إصدار المراسيم التطبيقية اللازمة لتطبيق أحكام هذا القانون وفقاً لنص المادة 115 رغم ما نصت عليه هذه المادة من عدم جواز تعليق تطبيق أحكام هذا القانون على صدور هذه المراسيم. إذ أن الواقع العملي والحفاظ على روح هذا القانون وجوهره والغاية التي انشئ من اجلها يفرض وجود هذه المراسيم عند تطبيقه في ظل عدم كفاية الأنظمة والقرارات التطبيقية التي احيل اليها لسد النقص ولمعالجة ظاهرة التأخر في صدورها. علما بأن المادة 115 من أحكام القانون نصت صراحة على انه الى حين صدور هذه المراسيم، تعتمد مؤقتا الأنظمة والقرارات التطبيقية النافذة والصادرة تطبيقاً لقانون المحاسبة العمومية والتي تبقى صالحة ومعمولا بها بقدر عدم تعارضها مع هذا القانون ومع مراسيمه التطبيقية.
2- عدم تشكيل هيئة الشراء العام وما لها من دور مركزي في تطبيق أحكام هذا القانون والرقابة عليه وفق المواد 74 - 83.
3- عدم تنظيم المنصة الالكترونية وما يستتبعه ذلك من أثر على صحة اعمال سلطة التعاقد وهيئة الشراء العام. علماً بأن هذه المنصة تعتبر الركيزة الأساس التي يعتمد عليها في تأمين الشفافية.
4- عدم تشكيل هيئة الاعتراضات وفق المواد 89 - 98 منه والدور الذي تضطلع به لتحقيق الشفافية والنزاهة اللازمتين.
5- غياب الآليات القانونية اللازمة والمراسيم التطبيقية التي توفّر الشروط القانونية اللازمة لتشكيل لجان التلزيم والاستلام، خصوصاً لجهة الشروط القانونية التي فرضتها المواد 72 و73 و100 و101 من أحكام هذا القانون بهذا الخصوص.
6- غياب المراسيم التطبيقية الخاصة بالشراء المستدام، إذ أن تحديد قواعد وسياسات الشراء العام المستدام التي نصت عليها المادة 15 منه تحتاج الى مراسيم تتخذ في مجلس الوزراء وهي لم تصدر بعد ما يعطل العمل بالشراء المستدام.
7- تعذر تطبيق أحكام الشراء الالكتروني الذي نصت عليه المواد 66 – 70 لأن دقائق تطبيق القانون تحدد بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وفقا لنص المادة 71.
8- المنع من التوظيف في ظل وجود حاجة إلى التوظيف للقيام بمهام الشراء العام، عملاً بالمادة 73 من أحكام هذا القانون.
9- غياب التنسيق الذي فرضه القانون بين هيئة الشراء العام ومجلس الخدمة المدنية، رغم الحاجة الملحّة إلى تحديد أطر الكفايات المعرفية والمهارات والخبرة المهنية والسلوكيات، اضافة إلى التوصيف الوظيفي وشروط التوظيف و/أو التعيين والترفيع الخاصة بالعاملين في الشراء.
10- اجتناب تحديد ملاك وحدة الشراء لدى كل جهة شارية، علماً أن هذا التحديد يأتي بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح المرجع المختص وفقا للبند 2 من المادة 73.

ثالثاً، لجهة الإشكاليات المتعلقة بالقانون وتداعياته السلبية على العمل البلدي:
نصت المادة 2 على تعريف الجهة الشارية او سلطة التعاقد الواردة في هذا القانون بأنها «الدولة وإداراتها، ومؤسساتها العامة، والهيئات الإدارية المستقلة، والمحاكم التي لديها موازنات خاصة بها، والهيئات، والمجالس، والصناديق، والبلديات واتحاداتها...»، من دون الأخذ في الاعتبار خصوصية العمل البلدي وما تستلزمه من وجوب مراعاة قدرة البلديات على تطبيق هذا القانون، خصوصا لجهة العبء المالي والاداري الذي يقتضيه تطبيقه على نحو يفوق قدرات البلديات وامكانياتها في تحمل هذه الأعباء المستجدة.
إذ أن البلديات تتحمل من صندوقها الخاص النفقات المتعلقة برواتب موظفيها ومتعلقاتهم، فتدرجها في ميزانياتها، وهي مسؤولة عن تأمين مواردها، التي تضاف إلى أعباء أخرى تثقل كاهلها مادياً، وتعرقل ممارسة نشاطها الإداري والاجتماعي والانمائي.
وتختلف قدرة البلديات على تعزيز ايراداتها، بين بلدية واخرى بحسب موقعها الجغرافي ونطاقها وحجمها وإيراداتها المالية التي تحصّلها من الجباية والرسوم واستثمار الملك البلدي ومن الاقتطاعات المالية التي تقوم بها الدولة التي تحصل لصالحها، وتلك التي تمنحها إياها من الصندوق البلدي المستقل، الأمر الذي ينعكس على قدرات البلدية في التوظيف والعمل والإنتاجية وتحقيق الأهداف.
ومن المعلوم أن بعض البلديات، بسبب الوضع المالي المتردي وعجزها عن تأمين التمويل اللازم، تتجنب التوظيف قدر الامكان، وتوزّع مهامها الفنية والادارية على فريق من المتطوعين على رأسهم رئيس المجلس البلدي وأعضاؤه، سعيا إلى تحقيق النهوض والإنماء بالامكانيات المتوفرة، وعدم صرف عائداتها على الرواتب والأجور كأعباء وظيفية. وفي ذلك، تكلف جهازها الإداري المتطوع بالتعاقد مع الغير وإجراء عمليات الشراء وفقاً للقواعد المعتمدة في المرسوم رقم 5595|82 (تحديد أصول المحاسبة في البلديات واتحاد البلديات). وفي هذا الإطار، تستخدم مواردها المالية لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف التنموية، وتتجنب صرف هذه الأموال في تسيير العمل الإداري داخل البلدية من خلال اعتماد التوظيف الرسمي، لما يشكّله من أعباء مالية يفوق حجمها بشكل دوري قدرة البلدية على تحملها.
في المقابل، نصت المادة 73 من القانون رقم 244 (قانون الشراء العام) البند 1 منها على أنه «يُدرج الشراء العام كوظيفة محددة ضمن الهيكل الوظيفي في الدولة».
وأيضاً في البند 2 منها على أنه: «تنشأ في الهيكل التنظيمي الجهة الشارية وحدة للشراء... وتكون هذه الوحدة مسؤولة عن عمليات الشراء وفقا لأحكام هذا القانون، تشكل هذه الوحدة من الموظفين الذين خضعوا للتدريب وفقا للمادة 72...».
ونصت المادة 72 من هذا القانون على أنه: "يخضع القائمون بمهام الشراء العام لتدريب متخصص مستمر إلزامي تنفذه وزارة المالية".
وبالتالي، الالتزام بأحكام هذا القانون، يفرض على البلديات، الصغيرة منها والكبيرة، تشكيل وحدة الشراء وتوظيف أشخاص لتولي هذه المهمة، ما يرتب عبئاً إضافياً عليها لا تستطيع تحمله، خصوصاً أن رواتب الموظفين وما يتعلق بهم، تُدفع من الايرادات المحصّلة للبلديات.
كما فرض القانون أن تكون لجان التلزيم وفق ما نصت عليه المادة 100 بند 2 «من إدارتها من الفئة الثالثة على الأقل ممن لديهم خبرة مثبتة في مجال الشراء العام...»، وهذا أمر دونه عوائق، إما لعدم وجود موظفين من هذه الفئة بين الموظفين العاملين في بعض البلديات وإما لانتفاء الوجود الوظيفي اصلاً ضمن العمل البلدي.
لا يمكن اختصار هيئة الشراء العام بشخص وحيد لا يمكنه أن يتابع منفرداً دقائق تفاصيلها وتغييبها كهيئة ناظمة ومستقلة ذات دور تنظيمي واشرافي يعطّل الدور المركزي الذي أنشئت لأجله


كذلك الأمر بخصوص لجان الاستلام، إذ أوجب أن يكونوا من «إدارتها من الفئة الثالثة على الأقل من بين المدربين أصولاً وفقا لاحكام هذا القانون" علما ان معظم البلديات تفتقد موظفين من هذه الفئة في ملاكاتها.
يضاف إلى ذلك كله، ما تضمّنه قانون الشراء العام حول تضارب المصالح سيما أعضاء اللجان الذين تربطهم صلة قرابة للدرجة الرابعة (وهذه الحالات كثيرة الوجود في القرى وحتى المدن)، ما يعرقل عملية تشكيل اللجان ويفرض تغييرها كل فترة، كما يحتم تدريب عدد أكبر من الموظفين.
في المحصلة، لم تراع أحكام هذا القانون خصوصية العمل البلدي الذي يقوم في كثير من البلديات على الجهد الشخصي في جانبه التطوعي وليس على الجانب الوظيفي كما هي الحال في الإدارات والمؤسسات العامة الرسمية الأخرى ما يشكل عائقاً أمام تطبيقه.
كذلك، لم يلحظ المشرّع حجم الأعباء المالية التي يرتبها على البلديات عبر التوظيف وغيره (رغم وجود منع من التوظيف) كي تتمكن من تطبيق القانون. علماً انه يستنزف مقدراتها المالية لأنها تتحمل وحدها أعباء التوظيف من إيراداتها، على نقيض الإدارات والمؤسسات الرسمية.
يدخل هذا القانون حيز التنفيذ في ظل غياب خطة شراء لهذا العام، ما يشكّل عائقاً كونه لم يتضمن آليات تحدد طريقة الشراء في الحالات الطارئة والسلفات المتعلقة بها، وفي ظل عدم رصد اعتمادات لها في خطة الشراء العام، ما ينعكس سلباً على آلية عمل الإدارات العامة في مواجهة حالات الطوارئ، بما يشمل العمل البلدي بكافة اجهزته.
تسليط الضوء على قانون الشراء العام وإمكانية تطبيقه على البلديات واتحاداتها، من الناحيتين القانونية والعملية، لا ينفي وجود مشكلات وملاحظات اخرى تطال مضمون القانون لجهة الصلاحيات والآليات المعتمدة للشراء والتعاقد وإنهاء العقد وفسخه وبت الاعتراضات والقدرة على تحقيق المنافسة العادلة والشفافية وتسيير عمليات الشراء بنزاهة وسهولة، ومن دون عراقيل تحدّ من قدرة الادارة على الإنتاجية، وهو ما ستظهر تباعا بعد وضعه موضع التطبيق، فتظهر بذلك عيوب أخرى تفرض إجراء تعديلات جوهرية تحاكي متطلبات الادارة والمؤسسات العامة بشكل عام وخصوصية العمل البلدي بشكل خاص. وهي بالمناسبة رسالة إلى المشرعين لإنصاف البلديات واتحاداتها عبر اعادة النظر في الجهات الخاضعة لأحكامه، و/أو تعديلها بما يتناسب مع حجم العمل البلدي وخصوصيته وطبيعته.

* أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية، مستشار قانوني في جمعية العمل البلدي