قبل أسابيع، أطلقت جمعية «أشرفية 2020»، عبر صفحتها على موقع «فيسبوك»، مبادرة «مراقبة الحي» التي تضم 120 شاباً من الأشرفية سيعملون كـ«ملائكة حراس» للسكان من السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً، «بالتعاون الكامل مع الجيش وقوى الأمن الداخلي وبلدية بيروت». وأوضحت الجمعية أنها تعاقدت مع شركة أمنية تدعى A.M.N لـ«إدارة الخدمات اللوجستية وضمان رفاهية السكان».اللافت أن الجمعية التي أسسها النائب نديم الجميل عام 2012 تدّعي في منشورها أنها تحركت «تلبية لمراجعات السكان الذين طالبوها مراراً بضمان راحتهم»، وهو أمر يثير الاستغراب. إذ لماذا قد يلجأ السكان في الأساس، وبغض النظر عن الوضع الأمني، إلى جمعية «غير حكومية وغير فئوية وغير سياسية تتولى تنظيم نشاطات إنمائية واجتماعيّة وإنسانية» كما تعرّف «أشرفية 2020» عن نفسها، للسهر على أمنهم؟
يوضح أمين سر الجمعيّة أكرم نعمة أن الأشرفية «تشهد تفلتاً أمنياً منذ مدة، حيث تفشت السرقات والعصابات وعمليات التشليح وكأنها أرض سائبة. لا تمر ليلة من دون حصول عملية سرقة. إذا توجهنا إلى الدرك، يشكون من نقص العديد والعتاد ومن إضراب القضاة الذي يشلّ من قدرتهم على تسلّم بعض الحالات. فهل نقف مكتوفي الأيدي ونتفرج؟».
يرفض نعمة أي حديث عن «أمن ذاتي» أو «ميليشيات» أو «محاولات تقسيمية» وغيرها من العناوين، ويدعو إلى عدم «تحميل المسألة أكثر مما تحتمل». فـ«الشباب مهذبون ومحترمون ومزوّدون فقط بمصابيح وعصيّ صغيرة ويرتدون سترات تحمل شعار الشركة، ويمنع عليهم منعاً باتاً التعاطي مع أي شخص أو السؤال عن هويته أو اسمه أو وجهته. وفي حال الاشتباه بأحد يجري التواصل فوراً مع القوى الأمنية أو المخابرات، إلا في حالة الجرم المشهود. حينها نلقي القبض على الفاعل من دون التعرض له أو حتى التحقيق معه، وننتظر قدوم القوى الأمنية لتسلّمه».
بدأ «الملائكة» مهماتهم في أحياء السوديكو والتباريس وفرن الحايك وحيمري والحكمة، وتسعى الجمعيّة إلى تغطية كامل أحياء الأشرفية في غضون 100 يوم، مستعينةً بحوالي 120 شاباً من أبناء المنطقة، ينتشر 8 منهم في كل حي تحت إمرة «مشرف». ويوضح نعمة أن «معظم الشباب هم من العاطلين عن العمل ويتقاضى كل منهم 200 دولار شهرياً. وليس صحيحاً أنهم ينتمون إلى فئة سياسية معيّنة أو من مناصري الكتائب والنائب نديم الجميّل حصراً. فنحن على تعاون وتواصل مع كل الفئات في الأشرفية، ومنهم التيار الوطني الحر والنائب نقولا الصحناوي الذي نتعاون معه».
وعن العدد الذي يتطلب ميزانية ضخمة لا تقل عن 300 ألف دولار سنوياً لناحية الرواتب فقط، يؤكّد نعمة «أن التمويل مؤمّن لمدة شهرين، ونحن كجمعيّة لا ندفع مباشرة للشباب، بل ندفع لشركة الأمن التي تتولى دفع الرواتب. أما مصادر التمويل فمؤمّنة من خلال المجتمع المحلي وأهل الأشرفية من مقيمين ومغتربين وأصحاب المؤسسات التجاريّة والسياحيّة الذين يرغبون بدعم المبادرة». هل يعني ذلك فرض «خوّات»؟ يجيب: «لا يوجد أي خوات، والأمر متروك للناس ولمن يرغب».
رغم ذلك، يتردد اسم رئيس مجلس إدارة مصرف «سوسيتيه جنرال» أنطون الصحناوي كأحد أبرز الممولين للجمعيّة، إضافة إلى انتماء العديد من الشباب إلى مجموعة «جنود الرب» المقربة منه أو التابعة له.
تطمينات نعمة حول محدودية دور الشباب والضوابط المفروضة عليهم لا تلغي توجّس كثيرين، ومنهم القوى الأمنية التي تؤكد معلومات «الأخبار» أنها لم تمنح أي موافقة خطية للشركة، بأن الموضوع قيد المتابعة والدرس، وخصوصاً أن هذه مسألة حساسة ودقيقة في بلد مثل لبنان، رغم أن مثل هذه المبادرات شائعة في عدة دول حول العالم.
وفيما يرفض رئيس المجلس البلدي لمدينة بيروت جمال عيتاني «محاولات فرض أي شكل من أشكال الأمن الذاتي في بيروت»، مؤكداً أن المجلس البلدي «لم يمنح أي موافقة ولو طلبوها هم أو سواهم، فما كنا لنقبل»، يؤكد محافظ بيروت القاضي مروان عبود، من جهته، أنه لم يمنح أي إذن للشركة، «وقبلهم هنالك من حاول القيام بأمر مماثل في شارع الحمرا، لكن يبدو أنهم لم ينجحوا في تأمين التمويل اللازم». ويلفت إلى أن «شركات الأمن تستحصل على التراخيص من وزارة الداخلية، والوزارة هي من تشرف على أعمالهم وتراقبها، ومن يمنح الترخيص هو الذي يسحبه. والرخصة هي التي يفترض أن تحدد نطاق أعمالهم ومهماتهم. وإجمالاً شركات الأمن ترخص لحماية الأملاك الخاصة، ولا علم لي إن كان الترخيص يسمح لهم بالتجول في الشوارع والأملاك العامة، لكن حسب تصوري لا يحق لهم القيام بذلك. فنحن لا نبلغ من هي الشركات الأمنية ولا نسلم نسخة عنها ولا عن تراخيصها. وفي الوقت عينه، يفترض درس الموضوع من عدة جوانب، فهنالك 120 فرصة عمل تأمنت، والشباب حسب علمي يعملون كمخبرين للأجهزة الأمنية ولا يقومون بأي عمل من دون إبلاغ القوى الأمنية والعسكرية».
اللافت أن مبادرة جمعيّة «أشرفية 2020» لاقت ترحيباً من النائب نقولا صحناوي «في حال ثبوت أنها غير حزبية وغير فئوية ومنفتحة على الجميع ولا تؤسس لأيّ ميليشيا أو وضع أمني مستقبلاً. ولولا غياب الدولة لكانت أي خطوة من هذا النوع مرفوضة حكماً، وهذا ما يفترض أن يشكل جرس إنذار للدولة لحثها على عدم التقاعس وتفعيل دورها وإجراءاتها». ويؤكد أنه «حين تواصلت مع الجمعيّة للاستفسار عن المبادرة رحّبوا بالتعاون معنا وطلبوا أن نرسل لهم شباناً. لكن حتى اللحظة، لم نرسل أحداً من قبلنا لكون المبادرة لا تزال في أولها، ولكننا منفتحون على التعاون في المبدأ لخدمة الأشرفية وأهلها».