وسواء أحب الجمهور معادلة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عن وجود مرشح اسمه سليمان فرنجية يقابله الفراغ، أم لم يحب، فإن هذا هو الواقع الحقيقيّ اليوم: هناك فريق سياسي يؤمّن لمرشحه أكثر من ثلث أعضاء البرلمان حتى الآن، يقابله عدة أفرقاء سياسيين يفشلون في إيجاد آليات تواصل أو بناء ثقة بين بعضهم بعضاً للخروج بمرشح يحقق توازناً نيابيّاً وسياسياً مع فرنجية. وعليه، فإن موازين القوى كما هي اليوم تفيد بوجود خيارين: فرنجية أو الفراغ. وأي تغيير لهذه المعادلة يستوجب تعديل موازين القوى، وهو ما تلقفته الإدارة الفرنسية وبنت عليه مقاربتها كلها وتردده بصراحة أمام كل من تبحث معه الشأن اللبنانيّ من دون إغلاق الأبواب، حين تقول بوضوح إن هناك فريقاً قدم مرشحاً مدعوماً من أكثر من 45 نائباً، فيما لم يقدم الأفرقاء الآخرون سوى الاحتجاج عليه، بدل تقديم مرشح جدي بدعم نيابي وسياسي مماثل ليبنى على الشيء مقتضاه.
في هذا السياق، حاولت قطر إدارة الأمر بطريقة مختلفة. وبحسب المعلومات الأولية، يجب الإشارة إلى ثلاث نقاط أساسية:
أولاً، خلال العقدين الماضيين، كان خط الاتصال مفتوحاً بين قطر وحزب الله. ولا يمكن في هذا السياق تخيل أن يخسر القطريون بسهولة عن صلة الوصل هذه مع اللاعب الأساسي في لبنان والمنطقة، خصوصاً أن بعض الملفات المشتركة بين الحزب والدوحة أهم من كل الملفات اللبنانية. وعليه، يمكن أن يكون هناك دور قطري متقدم في صياغة أمر واقع سياسي جديد يقود إلى تسوية ما، لكن لا يمكن تخيل أن تكون الدوحة رأس حربة في مشروع سياسيّ موجه ضد الحزب، خصوصاً أن القطريين ينطلقون في تحركهم اللبنانيّ من اتفاق مبدئيّ مع باسيل الذي أبلغهم، وغيرهم، أنه لا يريد مرشحاً يرفضه حزب الله، وهو ما يمثل العقبة أمام اتفاق بينه وبين القوات كما شرح النائب فادي كرم. بالتالي فإن المسعى القطري (في التحليل لا المعلومة) لا يمكن أن يكون بعيداً من الحزب أو معادياً له.
ثانياً، لا يمكن التعامل مع القطريين من دون أخذ التجربة السورية في الاعتبار. يلعب القطريون دور الوسيط الناجح في كثير من الملفات، لكن لا يمكن اعتبارهم سنداً إقليمياً في السراء والضراء أو حليفاً دائماً يحترم استقلالية الأفرقاء وعدم التزامهم دائماً بالأجندة القطرية. علماً أن استمرار العداء القطري لسوريا يمنح الأخيرة الحق في التعامل بحذر شديد مع تحرك الدوحة - الاقتصادي والسياسي - في لبنان.
لم يتضح بعد ما إذا كانت قطر تحاول لعب دور ما بإيعاز من واشنطن أو بتفويض أميركيّ - سعوديّ
ثالثاً، لم يتضح بعد ما إذا كانت قطر تحاول لعب دور ما بإيعاز أميركيّ فقط، أو بتفويض أميركيّ - سعوديّ مشترك، وقادرة على أن تُلزم السعودية بالتالي بما تلتزم به. بالتالي، سيبقى الدور القطري محدوداً في حال كان يمثل نفسه فقط. لكنه سيكون مؤثراً وكبيراً في حال كان واجهة للدور السعودي الذي يفضل عدم التحرك علناً في لبنان. لكن، في المقابل، ليس سهلاً أن تسمح السعودية لقطر، بسهولة، بأداء دور العرّاب للاتفاق المسيحي، إلا إذا كان التفويض السعودي للقطريين في لبنان يقابله تفويض قطري للسعوديين في مكان ما.
عملياً، يمكن القول إن التحرك القطري ليس سوى إخراج مسرحيّ لضغط السعوديين على جعجع للسير بمرشح رئاسي يمكن لباسيل والكتائب وبعض النواب التغييريين السير به. وهناك تكهنات بأن هذا ما سيحصل في الأيام القليلة المقبلة. مع الأخذ في الاعتبار أن ما يشاع عن انفراجات في هذه الدولة أو تلك قبل الظهر سرعان ما يتفرمل بعده، على نحو يوحي بأن هناك نية إقليمية بالاتفاق، بينما تلعب الشياطين التفاصيل.
كذلك ينبغي الأخذ في الاعتبار أن تقاطع التيار مع الكتائب وبعض النواب المستقلين على اسم بات أشبه إلى تحصيل حاصل، فيما تم تحضير الأرضية لتقاطع التيار والقوات في انتظار «دفشة» سعودية لجعجع، وهو ما لم يحصل حتى اليوم، كما لم يحصل أي إيعاز سعوديّ من قريب أو بعيد لنواب في كتلة الاعتدال مثلاً، وفي تجمعات نيابية صغيرة. علماً أن المطلوب في هذه اللحظة (سعودياً، لإيقاف الاندفاعة الفرنسية، ومسيحياً على المستوى الداخلي) مرشح يحظى بتأييد بين 45 و50 نائباً لا أكثر، تماماً كفرنجية. ورغم الجدية التي قد يتمتع بها هذا المرشح، فإن الهدف من ترشيحه لن يكون إيصاله إلى بعبدا.