الطوق الأمني الذي ضُرب حول مجلس النوّاب ليس جديداً. ولكن، أمس، كانت الإجراءات أقسى نظراً إلى أنّ نكهة الجلسة مُغايرة عن سابقاتها. عناصر الجيش انتشروا في الطرقات الرئيسيّة، وعسكريو «مكافحة الشغب» حملوا دروعهم وهراواتهم وجلسوا في «الريو العسكري» بانتظار إشارة واحدة. هؤلاء، كزملائهم، لا يفهمون أسباب «احتراقهم» تحت الشمس، طالما أنّهم سيعودون أدراجهم إلى ثكناتهم «خالي الوفاض». يُدقّق أحد العسكريين عن كثب في أوراق الدّاخلين إلى ما وراء العارضة الحديديّة، إذ أمر إدخال النّاس ليس بيده، بل ينتظر عبر الجهاز أمر مَن هو أعلى منه رتبة. وهذا ما يفعله أيضاً العسكري الذي يقف في الباحة الرئيسيّة للمجلس، يوجّه الصحافيين إلى الرائد المسؤول عن الأمن، أو بالأحرى عن «حشر» الصحافيين في «زاوية محصّنة» بالعوارض الحديديّة، وخلفها يمرّ النوّاب مستعجلين إلى الجلسة النيابيّة.يترك النوّاب مرافقيهم خلفهم ويمضون وراء «شمس» قاعة البرلمان، بعضهم لا يعرف زواريب وسط بيروت. يسأل بلكنته البقاعيّة أين يُمكن أن يشرب فنجان قهوة في انتظار انتهاء «جلسة المعلّم». واحدٌ آخر لا يعرف كيف يُنتخب الرئيس، يُدقّق في الأرقام عن النصاب القانوني وما يحتاج إليه المُرشّح لنيْل رئاسة الجمهوريّة. أمّا الثالث، فيبدو «مخضرماً»، هو الذي قرّر ترك الباحة من أجل أخذ قسط من الراحة «ونفس نرجيلة»، على اعتبار أنّ الشخصيّة التي يُرافقها لن تخرج قبل ساعة.
في المقلب الآخر، يأخذ مرافقو نواب الأشرفية زاوية أُخرى في أحد الزواريب القريبة من مكان ركون سياراتهم. الحديث الحامي عن كيفيّة اكتشاف «اللعبة - القنبلة» بالقرب من منزل النائب نديم الجميّل. «في شي ما بيخرط بالراس»، يقول أحدهم، مستغرباً كيف وصل الإعلاميون والقوى الأمنيّة قبل وصول مرافقي الجميّل. بالنسّبة إليه، «في إنَّ» قبل أن يقاطعه مرافق أحد النواب «القواتيين» بالقول: «رسالة».
عند ناصية الطريق، يضحك بعض المرافقين وهم يرتشفون القهوة في المحل الصغير المُزدحم مقابل باب مجلس النوّاب، ويتساءلون عن مصير الجلسة. هؤلاء لا يريدون لا جهاد أزعور ولا سليمان فرنجيّة رئيساً للجمهوريّة، بل رئيساً «يُشرّع لنا الكبتاغون»!
وبينما يتحدّث بعض العناصر التابعين لمديريّة أمن الدولة عن «الأحوال التعيسة» التي وصلت إليها المديريّة، يعلو صوت الرئيس بري مُعلناً بدء فرز الأصوات. سريعاً، يتّجه بعض المرافقين إلى سيّارة مخصّصة للنقل المُباشر من أجل الاستماع عبر مذياعها إلى وقائع الفرز. يعلو صوت أحد المُرافقين ابتهاجاً لدى ذكر اسم فرنجيّة، بينما يضحك آخر. يُحاول هؤلاء إحصاء الأرقام على أيديهم من دون أن يُفلحوا في الحصول على النتيجة النهائية قبل أن يُعلنها رئيس مجلس النوّاب نبيه بري.
لم يُعكّر مزاج هؤلاء إلا كلام النائبة بولا يعقوبيان عن ضرورة إعادة عمليّة الانتخاب، يُطلق أحد المرافقين شتيمة قبل أن يقول: «بدنا نفل»، ويتنفّس الجميع الصُّعداء عندما رفع بري الجلسة، ليتفرّق كل واحد منهم في طريق.