«وقف هش لاطلاق النار»، هو خلاصة عمل اليومين الماضيين لوقف الإقتتال في مخيم عين الحلوة. والى الاتصالات الميدانية التي هدفت الى تثبيت وقف النار، بقيت المتابعات تركز على خلفية ما جرى وأبعاده. إذ إن الجميع يخشى أن تعاود الجهات التي تقف خلف التحريض والإقتتال الكرّة مجدداً، خصوصاً من جانب ادارة المخابرات العامة الفلسطينية ورئيسها ماجد فرج الذي كان يتابع أمس تفاصيل ما يجري في عين الحلوة، ويعمل على إعادة لملمة صفوف حركة فتح، ويشجع بعض اصحاب الرؤوس الحامية على الإستعداد للرد على الجولة الخاسرة للحركة.من جهتها، عملت فصائل المقاومة على تهدئة القوى الإسلامية مع دعم لموقف عصبة الأنصار التي جرت محاولات أمس لجرّها إلى المعركة عبر استهداف نقاط مدنية وعسكرية تابعة لها، بحجة أنها تؤوي عناصر من «الشباب المسلم» و«جند الشام». علماً أن قيادة العصبة أظهرت في الأيام القليلة الماضية أنها معنية بإعادة الهدوء، ولم تنجر الى أي اشتباك جانبي، رغم تعرضها لاستفزازات كثيرة. إلى درجة دفعت قيادتها إلى إبلاغ الوسطاء بأن «للصبر حدوداً». وقد حذّر الوسطاء قيادة فتح من أن المعركة مع العصبة ستكون محتلفة، وأن التوتر سيشمل كل المخيم وليس بعض أحيائه.
وبعد خروقات قبل الظهر واحتدام المعركة من جديد، إثر هجوم لعناصر من فتح على المنطقة التي تنتشر فيها المجموعات الاسلامية، تكثفت الجهود من خارج المخيم، وتم التوافق غروب امس على اتفاق لوقف النار، أعلنته هيئة العمل المشترك الفلسطينية. وتنادى من بقي داخل المخيم للنزول إلى الأحياء لفرض تثبيت الإتفاق. فيما جهّز النازحون إلى التعمير ومسجد الموصللي والفيلات والفوار وسيروب أغراضهم للعودة إلى منازلهم، في انتظار أن تشرق شمس اليوم، ويتكشف حجم الدمار الذي لحق بالممتلكات، إضافة إلى سقوط عدد من أبناء عين الحلوة في معركة الأيام الثلاثة.
وقف إطلاق النار النهائي سبقته محاولات عدة قامت بها لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني وحركة أمل والنائب أسامة سعد. إلا أن فتح التي أعلنت أول من أمس التزامها بوقف القتال، رفضت في حلقتها الضيقة إنهاء المعركة قبل تسديد ضربة أمنية تعيد هيبتها أمام قواعدها وأهالي قتلاها، وتثأر لاغتيال قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا العميد أبو أشرف العرموشي ومرافقيه ظهر الأحد الماضي. وبناء على أوامر اتضح أنها من خارج لبنان، تحركت قوة خاصة قبل ظهر أمس من مقر «الأمن الوطني» في البراكسات باتجاه حي الطوارئ لاستهداف المجموعة المشتبه باغتيالها العرموشي وعلى رأسها القياديان في «الشباب المسلم» هيثم الشعبي وبلال بدر وثالث ملقب بـ«الفولز». هجوم فتح استأنف المعركة ظهراً في أشد فصولها منذ اندلاعها ليل السبت ولم تهدأ إلا بعد الإعلان عن اتفاق جديد من مقر السفارة الفلسطينية في بيروت.
فشلت فتح في حسم المعركة الأخيرة لصالحها. إذ انتهت بتعويم بقايا جند الشام وفتح الإسلام مدعومين من عناصر من تنظيم داعش وجبهة النصرة المتواجدين في المخيم، مستعيدين كيانهم كجزء رئيسي في المعادلة كما كانوا قبل اشتباك حي الطيرة عام 2017 (اندلع بهدف تصفية بلال بدر). تجارب المعارك السابقة تشير إل بأن وقف إطلاق النار قد يخرق في أي لحظة، لا سيما من قبل فتح حيث لا تزال بعض الرؤوس حامية. ويخشى المعنيون داخل المخيم وخارجه، من موجة توترات في المرحلة المقبلة تتخللها استهدافات واغتيالات متبادلة لاستكمال تصفية الحساب الذي لم تقفله المعركة الأخيرة. وهذا سيستتبع بتوتر أمني في صيدا وتهديد مستمر لطريق الجنوب والمقاومة. وهو ما حصل بالفعل ليل أمس ففي الوقت الذي كان يتواجد في المخيم مسؤولون لبنانيون وفلسطينيون يعملون على تثبيت وقف إطلاق النار. تجدد إطلاق الرصاص بعيد العاشرة مساء تبعها إطلاق قذائف صاروخية. وتبين بأن عناصر في مقر العرموشي في البراكسات أطلقوا النار باتجاه الطوارئ والتعمير حيث يتمركز الإسلاميون، احتجاجاً على إنهاء المعركة قبل الثأر لدماء قائدهم وزملائهم الأربعة. فيما أدرج اللواء منير المقدح إطلاق الرصاص من قبل الفتحاويين بأنه حزن على الشهداء.
لكن ما الذي فرض التوصل الى اتفاق وقف النار؟.
مع تقدم ساعات النهار، ضاق الخناق على فتح بعد مرور ثلاثة أيام من المعارك من دون أن تحقيق مكاسب عسكرية. مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد طوني قهوجي اتصل بقيادات الصف الأول في الحركة وأبلغهم بضرورة حسم المعركة خلال ساعات فقط وفي حال فشلوا، فإن الجيش لن يسمح بإطلاق رصاصة واحدة بعد ذلك. بالتزامن، استمر توافد آليات المغاوير في الجيش إلى محيط المخيم في ظل تحليق طائرات الإستطلاع التابعة له.
خشية من موجة اغتيالات متبادلة في المركلة المقبلة لاستكمال تصفية الحساب


وبناء على الوقائع التي لم تكن لمصلحة فتح، اجتمعت هيئة العمل المشترك الفلسطيني في مقر السفارة الفلسطينية في بيروت في حضور ممثلين عن القوى الإسلامية والفصائل. وبرز سريعا الخلاف بين السفير الفلسطيني أشرف دبور من جهة وممثلي حركة حماس وعصبة الأنصار على خلفية عرقلة رئيس الفرع المالي في فتح منذر حمزة، التوصل لاتفاق وقف النار. إذ كان يهمس في أذن دبور كلما اقتنع الأخير ويدفعه الى تغيير موقفه، ما دفع بممثلي حماس والعصبة إلى مغادرة الإجتماع احتجاجاً. وقال مندوب عصبة الانصار: «نحن هنا لوقف حمام الدم، لكن هناك من يغدر بنا على الارض».
وتشير مصادر الى ضغط كبير مارسه الرئيس نبيه بري الذي كان يتابع مجريات الإجتماع عبر مسؤول الملف الفلسطيني في حركة أمل محمد الجباوي. وتوجه الأخير مع عدد من ممثلي الفصائل ورئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني باسل الحسن إلى صيدا لفرض تنفيذ الإتفاق. وقبل وصولهم، هدأ إطلاق النار. فانقسموا إلى وفدين، الأول توجه إلى البراكسات للتفاوض مع فتح على سحب المظاهر المسلحة وتسليم أسرى المعركة من الإسلاميين. فيما توجه الوفد الآخر إلى مسجد النور في الشارع التحتاني للقاء رئيس الحركة الإسلامية المجاهدة جمال خطاب ومسؤولي العصبة الذين يتولون التفاوض مع الشباب المسلم لوقف الإقتتال وتسليم المطلوبين باغتيال العرموشي ومرافقيه.
وفي ساعات الليل، كانت الاتصالات جارية مع القيادة الفلسطينية خارج لبنان، لاقناعها بضرورة منع عناصر فتح من معاودة اطلاق النار، بينما تتولى القوى الإسلامية في المخيم «تنظيم» عملية سحب المسلحين من الشوارع، ووقف اي تحركات تقود الى تصعيد جديد. علما ان السفارة الفلسطينية ابلغت جهات اهلية في المخيم بأنها ستتولى دفع تعويضات مالية سريعة لعائلات الضحايا والجرحى وللمتضررين من الإشتباكات، على ان يصار الى اطلاق ورشة لرفع اثار الاشتباكات اليوم من كافة مناطق المخيم، وان يترافق ذلك مع تثبيت الية وقف اطلاق النار.
اما الجيش اللبناني، فقد ابلغ جميع من في المخيم، بأن اجراءاته الامنية ستكون اكثر تشدداً، بهدف منع دخول اي مقاتل تحت ستار مدني، ومنع دخول اي ذخائر او اسلحة الى المخيم. ونفذت وحدات الجيش مساء أمس انتشاراً في الملعب البلدي عند مدخل صيدا الشمالي وفي محيط عين الحلوة وفي ثكنة محمد زغيب وبلدة مغدوشة المشرفة على المخيم.